البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ وَهُمۡ أَغۡنِيَآءُۚ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (93)

الأعراب صيغة جمع ، وفرق بينه وبين العرب .

فالعربي من له نسب في العرب ، والأعرابي البدوي منتجع الغيث والكلأ ، ما كان من العرب أو من مواليهم .

فالعربي من له نسب في العرب ، والأعرابي البدوي منتجع الغيث والكلأ ، كان من العرب أو من مواليهم .

وللفرق نسب إليه على لفظه فقيل : الأعرابي ، وجمع الأعراب على الأعارب جمع الجمع .

أجدر أحق وأحرى ، قال الليث : جدر جدارة فهو جدير وأجدر ، به يؤنث ويثنى ويجمع .

قال الشاعر :

نخيل عليها جنة عبقرية *** جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا

أسس على وزن فعل مضعف العين ، وآسس على وزن فاعل وضع الأساس وهو معروف ، ويقال فيه : أس .

والجرف : البئر التي لم تطو ، وقال أبو عبيدة : الهوة وما يجرفه السيل من الأودية .

هار : منهال ساقط يتداعى بعضه في إثر بعض ، وفعله هار يهور ويهار ويهير ، فعين هار يحتمل أن تكون واواً أو ياءً ، فاصله هاير أو هاور فقلبت ، وصنع به ما صنع بقاضٍ وغازٍ ، وصار منقوصاً مثل شاكي السلاح ولاث قال : لاث به الآشاء والعبريّ .

وقيل : هار محذوف العين لفرعله ، فتجري الراء بوجوه الإعراب .

وحكى الكسائي : تهور وتهير .

أواه كثير قول أوّه ، وهي اسم فعل بمعنى أتوجع ووزنه فعال للمبالغة .

فقياس الفعل أن يكون ثلاثياً ، وقد حكاه قطرب : حكى آه يؤوه أوهاً كقال يقول قولاً ونقل عن النحويين أنهم أنكروا ذلك وقالوا : ليس من لفظ أوه فعل ثلاثي ، إنما يقال : أوّه تأويها وتأوّه تأوهاً .

قال الراجز : فأوه الداعي وضوضأ أكلبه .

وقال المثقب العبدي :

إذا ما قمت أرحلها بليل *** تأوه آهة الرجل الحزين

وفي أوه اسم الفعل لغات ذكرت في علم النحو .

الظمأ : العطش الشديد ، وهو مصدر ظمىء يظمأ فهو ظمآن وهي ظمآن ، ويمد فيقال ظماء .

الوادي : ما انخفض من الأصل مستطيلاً كمحاري السيول ونحوها ، وجمعته العرب على أودية وليس بقياسه ، قال تعالى : { فسالت أودية بقدرها } وقياسه فواعل ، لكنهم استثقلوه لجمع الواوين .

قال النحاس : ولا أعرف فاعلاً أفعلة سواه ، وذكر غيره نادٍ وأندية قال الشاعر :

وفيهم مقامات حسان وجوههم ***

وأندية ينتابها القول والفعل

والنادي : المجلس ، وحكى الفراء في جمعه أو داء ، كصاحب وأصحاب قال جرير :

عرفت ببرقة الأوداء رسما *** مجيلاً طال عهدك من رسوم

وقال الزمخشري : الوادي كل منعرج من جبال وآكام يكون منفذاً للسيل ، وهو في الأصل فاعل من ودى إذا سال ، ومنه الودى .

وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض تقول : لا تصل في وادي غيرك .

{ إنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون } : أثبت في حق المنافقين ما نفاه في حق المحسنين ، فدل لأجل المقابلة أنّ هؤلاء مسيئون ، وأي إساءة أعظم من النفاق والتخلف عن الجهاد والرغبة بأنفسهم عن رسول الله ، وليست إنما للحصر ، إنما هي للمبالغة في التوكيد ، والمعنى : إنما السبيل في اللائمة والعقوبة والإثم على الذين يستأذنونك في التخلف عن الجهاد وهم قادرون عليه لغناهم ، وكان خبر السبيل على وإن كان قد فصل بإلى كما قالت :

هل من سبيل إلى خمر فاشربها *** أم من سبيل إلى نصر بن حجاج

لأنّ على تدل على الاستعلاء وقلة منعة من دخلت عليه ، ففرق بين لا سبيل لي على زيد ، ولا سبيل لي إلى زيد .

وهذه الآية في المنافقين المتقدم ذكرهم : عبد الله بن أبي ، والجد بن قيس ، ومعتب بن قشير ، وغيرهم .

ورضوا : استئناف كأنه قيل : ما بالهم استأذنوا في القعود بالمدينة وهم قادرون على الجهاد ، فقيل : رضوا بالدناءة وانتظامهم في سلك الخوالف .

وعطف وطبع تنبيهاً على أنّ السبب في تخلفهم رضاهم بالدناءة ، وطبع على قلوبهم فهم لا يعلمون ما يترتب على الجهاد من منافع الدين والدنيا .