معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (227)

قوله تعالى : { وإن عزموا الطلاق } . أي حققوه بالإيقاع .

قوله تعالى : { فإن الله سميع } . لقولهم .

قوله تعالى : { عليم } . بنياتهم ، وفيه دليل على أنها لا تطلق بعد مضي المدة ما لم يطلقها زوجها ، لأنه شرط فيه العزم ، وقال ( فإن الله سميع عليم ) فدل على أنه يقتضي مسموعاً والقول هو الذي يسمع .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (227)

{ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ } أي : امتنعوا من الفيئة ، فكان ذلك دليلا على رغبتهم عنهن ، وعدم إرادتهم لأزواجهم ، وهذا لا يكون إلا عزما على الطلاق ، فإن حصل هذا الحق الواجب منه مباشرة ، وإلا أجبره الحاكم عليه أو قام به .

{ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فيه وعيد وتهديد ، لمن يحلف هذا الحلف ، ويقصد بذلك المضارة والمشاقة .

ويستدل بهذه الآية على أن الإيلاء ، خاص بالزوجة ، لقوله : { من نسائهم } وعلى وجوب الوطء في كل أربعة أشهر مرة ، لأنه بعد الأربعة ، يجبر إما على الوطء ، أو على الطلاق ، ولا يكون ذلك إلا لتركه واجبا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (227)

وجواب الشرط في قوله { وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق } محذوف والتقدير وإن عزموا الطلاق فقد وجب عليهم ما اعتزموه ، والطلاق منصوب على نزع الخافض لأن عزم يتعدى بعلى .

وفي قوله : { فَإِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وعيد شديد لمن يحلف على ترك مباشرة امرأته أو يمسكها بقصد إيذائها ومضارتها .

أي فإن الله - تعالى - سميع لكل ما كان من الزوج الحالف ، عليم بما يقع منه من مضار أو غيرها ، وسيجزيه يوم القيامة بما يستحقه .

قال القرطبي ما ملخصه : وقد جعل الله للزوج مدة أربعة أشهر في تأديب المرأة بالهجر ، وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه شهر تأديبا لهن - عندما طالبنه بزيادة النفقة - وقد قيل : الأربعة الأشهر هي التي لا تستطيع أن تصبر عنه أكثر منها ، وقد روى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل بعض النساء عن مقدار صبر المرأة عن زوجها فقلن أربعة أشهر ، فجعل عمر مدة الرجل في الغزو أربعة أشهر ، فإذا مضت أر بعة أشهر استرد الغازين ووجه بقوم آخرين ، وهذا - والله أعلم - يقوى اختصاص مدة الإِيلاء بأربعة أشهر " .

وعلى أية حال فإن الطبائع تختلف في مثل هذه الأمور ، والأربعة الأشهر مدة كافية ليختبر الرجل نفسه وميوله ، فإما أن يعود إلى معاشرة زوجه بالطريقة التي شرعها الله ، وإما أن تعاد إلى الزوجة حريتها بالطلاق ، ليبدأ كلاهما حياة زوجية جديدة مع شخص آخر . فذلك أكرم للزوجة وأعف وأصون ، وأنفع للرجل كذلك وأشرف . وقد اختار الله هذه المدة وهو الأعلم بحكمة اختياره فعلينا أن نتقبل ما شرعه لنا طائعين خاشعين .

هذا وجمهور - العلماء على أن الطلاق لا يقع بانتهاء هذه المدة ، وإنما بانتهائها يأمره الحاكم بالفيئة ، فإن تقبل أمر الحاكم بالرضا أمهله مدة يمكنه الفيئة فيها ، وإن لم يتقبله بالرضا أمره بالطلاق ، فإن طلق فبها وإلا طلقها الحاكم منه .

وعليه فإن الفاء في قوله تعالى : { فَإِنْ فَآءُو } لترتيب الحكم الذي يحصل بعد مدة التربص .

وقال الأحناف إن الطلاق يقع بمجرد انتهاء هذه المدة وهي الأربعة الأشهر ، والرجوع إنما يكون خلالها فلا زيادة فوقها ، ويكفى في مراجعته لنفسه تلك المدة ، وما دام لم يرجع إلى معاشرة امرأته خلالها فقد آثر فراقها ، ولا يصح أن نعطيه أية مهلة من الوقت بعدها . وعليه تكون الفاء عندهم للتفصيل ، أي تفصيل ما يحصل من الزوج في هذه المدة .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد نهت المسلم عن اتخاذ الحلف بالله حاجزاً بينه وبين فعل الخير ، وأمرته بأن يحفظ لسانه عن الإِكثار من الحلف بالله في الأمور الصغيرة والكبيرة ، وحذرته من تعمد الأيمان الكاذبة التي تؤدي إلى غضب الله - تعالى - لأن اليمين الكاذتبة الفاجرة من كبائر الذنوب ، وحذرته كذلك من أن يهجر زوجته بقصد إيذائها والإِضرار بها ، لأن الحياة الزوجية يجب أن تقوم على المودة والرحمة ، وأرشدته إلى أن أقصى مدة لهجر الزوجة بقصد تأديبها وعلاج أعوجاجها هي أربعة أشهر يراجع فيها نفسه ، فإما أن يعود إليها ويكفر عن يمينه ، وإما أن يقع بينهما الفراق { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ } وبهذه الأحكام السامية يكون الإِسلام قد شرع للرجل والمرأة ما ينفعهما ويصون كرامتهما ، ويحفظ لهما حريتهما وحسن استمتاعهما بالحياة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (227)

{ وإن عزموا الطلاق } وإن صمموا قصده { فإن الله سميع } لطلاقهم . { عليم } بغرضهم فيه ، وقال أبو حنيفة : الإيلاء في أربعة أشهر فما فوقها ، وحكمه أن المولى إن فاء في المدة بالوطء إن قدر ، وبالوعد إن عجز ، صح الفيء ولزم الواطئ أن يكفر وإلا بانت بعدها بطلقة . وعندنا يطالب بعد المدة بأحد الأمرين فإن أبى عنهما طلق عليه الحاكم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (227)

قوله : { وإن عزموا الطلاق } دليل على شرط محذوف ، دل عليه قوله : { فإن فاءو } فالتقدير : وإن لم يفيئوا فقد وجب عليهم الطلاق ، فهم بخير النظرين بين أن يفيئوا أو يطلقوا فإن عزموا الطلاق فقد وقع طلاقهم .

وقوله { فإن الله سميع عليم } دليل الجواب ، أي فقد لزمهم وأمضى طلاقهم ، فقد حد الله للرجال في الإيلاء أجلاً محدوداً ، لا يتجاوزونه ، فإما أن يعودوا إلى مضاجعة أزواجهم ، وإما أن يطلقوا ، ولا مندوحة لهم غير هذين .

وقد جعل الله للمولي أجلاً وغاية ، أما الأجل فاتفق عليه علماء الإسلام ، واختلفوا في الحالف على أقل من أربعة أشهر ، فالأئمة الأربعة على أنه ليس بإيلاء ، وبعض العلماء : كإسحاق بن راهويه وحماد يقول : هو إيلاء ، ولا ثمرة لهذا الخلاف فيما يظهر ، إلاّ ما يترتب على الحلف بقصد الضرِّ من تأديب القاضي إياه إذا رفعت زوجه أمرها إلى القاضي ومِن أمرِه إياه بالفَيْئَة .

وأما الغاية فاختلفوا أيضاً في الحاصل بعد مضي الأجل ، فقال مالك والشافعي : إن رفعته امرأته بعد ذلك يوقف لدى الحاكم ، فإما أن يفىء أو يطلق بنفسه ، أو يطلق الحاكم عليه ، وروي ذلك عن اثنى عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة : إن مضت المدة ولم يفيءْ فقد بانت منه ، واتفق الجميع على أن غير القادر يكفي أن يفيء بالعزم ، والنية ، وبالتصريح لدى الحاكم ، كالمريض والمسجون والمسافر .

واحتج المالكية بأن الله تعالى قال : { فإن الله سميع عليم } فدل على أن هنالك مسموعاً ؛ لأن وصف الله بالسميع معناه العليم بالمسموعات ، على قول المحققين من المتكلمين ، لا سيما وقد قرن بعليم ، فلم يبق مجال لاحتمال قول القائلين من المتكلمين بأن السميع مرادف للعليم وليس المسموع إلاّ لفظ المولي ، أو لفظ الحاكم ، دون البينونة الاعتبارية . وقوله { عليم } يرجع للنية والقصد . وقال الحنفية { سميع } لإيلائه ، الذي صار طلاقاً بمضي أجله ، كأنهم يريدون أن صيغة الإيلاء جعلها الشرع سبب طلاق ، بشرط مضي الأمد { عليم } بنية العازم على ترك الفَيئة . وقول المالكية أصح ؛ لأن قوله : { فإن الله سميع عليم } جُعل مفرعاً عن عزم الطلاق لا عن أصل الإيلاء ؛ ولأن تحديد الآجال وتنهيتها موكول للحكام .

وقد خفي على الناس وجه التأجيل بأربعة أشهر ، وهو أجل حدده الله تعالى ، ولم نطلع على حكمته ، وتلك المدة ثلث العام ، فلعلها ترجع إلى أن مثلها يعتبر زمناً طويلاً ، فإن الثلث اعتبر معظم الشيء المقسوم ، مثل ثلث المال في الوصية ، وأشار به النبي عليه الصلاة والسلام على عبد الله بن عمرو بن العاص في صوم الدهر . وحاول بعض العلماء توجيهه بما وقع في قصة مأثورة عن عمر بن الخطاب ، وعزا ابن كثير في « تفسيره » روايتها لمالك في « الموطأ » عن عبد الله بن دينار . ولا يوجد هذا في الروايات الموجودة لدينا : وهي رواية يحيى بن يحيى الليثي ، ولا رواية ابن القاسم والقعنبي وسويد بن سعيد ومحمد بن الحسن الشيباني ، ولا رواية يحيى بن يحيى بن بكير التميمي التي يرويها المهدي بن تومرت ، فهذه الروايات التي لدينا فلعلها مذكورة في رواية أخرى لم نقف عليها . وقد ذكر هذه القصة أبو الوليد الباجي في شرحه على الموطأ المسمى « بالمنتقى » ، ولم يعزها إلى شيء من روايات « الموطأ » : أن عمر خرج ليلة يطوف بالمدينة يتعرف أحوال الناس فمر بدار سمع امرأة بها تنشد :

أَلاَ طَالَ هذا الليلُ واسَود جانبه *** وأَرَّقني أَن لا خليلَ أُلاَعِبُه

فلولا حذار الله لا شيء غيـره *** لَزعزعَ من هذا السرير جوانبه

فاستدعاها من الغد فأخبرته أن زوجها أرسل في بعث العراق ، فاستدعى عمر نساء فسألهن عن المدة التي تستطيع المرأة فيها الصبر على زوجها قلن شهران ويقل صبرها في ثلاثة أشهر ، وينفد في أربعة أشهر وقيل إنه سأل ابنته حفصة فأمر عمر قواد الأجناد ألا يمسكوا الرجل في الغزو أكثر من أربعة أشهر ، فإذا مضت استردَّ الغازين ووجه قوماً آخرين .