الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (227)

الثانية والعشرون : قوله تعالى : " وإن عزموا الطلاق " العزيمة{[2072]} : تتميم العقد على الشيء ، يقال : عزم عليه يعزم عزما ( بالضم ) وعزيمة وعزيما وعزمانا واعتزم اعتزاما ، وعزمت عليك لتفعلن ، أي أقسمت عليك . قال شمر : العزيمة والعزم ما عقدت عليه نفسك من أمر أنك فاعله . والطلاق من طلقت المرأة تطلق ( على وزن نصر ينصر ) طلاقا ، فهي طالق وطالقة أيضا . قال الأعشى

أيا جارتا بِينِي فإنكِ طالقة{[2073]}

ويجوز طلقت ( بضم اللام ) مثل عظم يعظم ، وأنكره الأخفش . والطلاق حل عقدة النكاح ، وأصله الانطلاق ، والمطلقات المخلّيات ، والطلاق : التخلية ، يقال : نعجة طالق ، وناقة طالق ، أي مهملة قد تركت في المرعى لا قيد عليها ولا راعي ، وبعير طلق ( بضم الطاء واللام ) غير مقيد ، والجمع أطلاق ، وحبس فلان في السجن طلقا أي بغير قيد ، والطالق من الإبل : التي يتركها الراعي لنفسه لا يحتلبها على الماء ، يقال : استطلق الراعي ناقة لنفسه . فسميت المرأة المخلى سبيلها بما سميت به النعجة أو الناقة المهمل أمرها . وقيل : إنه مأخوذ من طلق الفرس ، وهو ذهابه شوطا لا يمنع ، فسميت المرأة المخلاة طالقا لا تمنع من نفسها بعد أن كانت ممنوعة .

الثالثة والعشرون : في قوله تعالى : " وإن عزموا الطلاق " دليل على أنها لا تطلق بمضي مدة أربعة أشهر ، كما قال مالك : ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة ، وأيضا فإنه قال : " سميع " وسميع يقتضي مسموعا بعد المضي . وقال أبو حنيفة : " سمع " لإيلائه ، " عليم " بعزمه الذي دل عليه مضي أربعة أشهر . وروى سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال : سألت اثني عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يولي من امرأته ، فكلهم يقول : ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف ، فإن فاء وإلا طلق . قال القاضي ابن العربي : وتحقيق الأمر أن تقدير الآية عندنا : " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا بعد انقضائها فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم " . وتقديرها عندهم : " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا " فيها " فإن الله غفور رحيم . وإن عزموا الطلاق " بترك الفيئة فيها ، يريد مدة التربص فيها " فإن الله سميع عليم " . ابن العربي : وهذا احتمال متساو ، ولأجل تساويه توقفت الصحابة فيه .

قلت : وإذا تساوى الاحتمال كان قول الكوفيين أقوى{[2074]} قياسا على المعتدة بالشهور والأقراء ، إذ كل ذلك أجل ضربه الله تعالى ، فبانقضائه انقطعت العصمة وأبينت من غير خلاف ، ولم يكن لزوجها سبيل عليها إلا بإذنها ، فكذلك الإيلاء ، حتى لو نسي الفيء وانقضت المدة لوقع الطلاق ، والله أعلم .

وفي قوله تعالى : " وإن عزموا الطلاق " دليل على أن الأمة بملك اليمين لا يكون فيها إيلاء ، إذ لا يقع عليها طلاق ، والله أعلم .


[2072]:- في ب: العزم.
[2073]:- جارية: زوجته، وبيني من البينونة وعجز البيت: كذاك أمور الناس غاد وطارقه.
[2074]:- في ب: أولى.