معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا} (22)

قوله تعالى : { ولا تجعل مع الله إلهاً آخر } ، الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره . وقيل : معناه لا تجعل أيها الإنسان مع الله إلهاً آخر ، { فتقعد مذموماً مخذولاً } ، مذموماً من غير حمد ، مخذولاً من غير نصر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا} (22)

{ 22 } { لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا }

أي : لا تعتقد أن أحدا من المخلوقين يستحق شيئا من العبادة ولا تشرك بالله أحدا منهم فإن ذلك داع للذم والخذلان ، فالله وملائكته ورسله قد نهوا عن الشرك وذموا من عمله أشد الذم ورتبوا عليه من الأسماء المذمومة ، والأوصاف المقبوحة ما كان به متعاطيه ، أشنع الخلق وصفا وأقبحهم نعتا .

وله من الخذلان في أمر دينه ودنياه بحسب ما تركه من التعلق بربه ، فمن تعلق بغيره فهو مخذول قد وكل إلى من تعلق به ولا أحد من الخلق ينفع أحدا إلا بإذن الله ، كما أن من جعل مع الله إلها آخر له الذم والخذلان ، فمن وحده وأخلص دينه لله وتعلق به دون غيره فإنه محمود معان في جميع أحواله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا} (22)

والخطاب فى قوله - تعالى - : { لا تجعل . . . } لكل من يصلح له .

والقعود فى قوله { فتقعد } قيل بمعنى المكث : كما يقول القائل : فلان قاعد فى أسوأ حال ، أى : ماكث فى أسوأ حال ، سواء أكان قاعدا أم غير قاعد . وقيل بمعنى العجز ، لأن العرب تقول : فلان ما أقعده عن المكارم ، أى : ما أعجزه عنها ، وقيل هو بمعنى الصيرورة ، من قولهم : فلان شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة ، أى : صارت .

والذى تطمئن إليه النفس أن القعود على حقيقته ، لأن من شأن المذموم المخذول أن يقعد حائرا نادما على ما فرط منه .

وقوله - سبحانه - : { مخذولا } من الخذلان ، وهو ترك النصرة عند الحاجة اليها .

يقال : خذل فلان صديقه ، أى : امتنع عن نصره وعونه مع حاجته الشديدة إليهما .

والمعنى : لا تجعل - أيها المخاطب - مع الله - تعالى - إلها آخر فى عبادتك أو خضوعك ، فتقعد جامعا على نفسك مصيبتين :

مصيبة الذم من الله - تعالى - ومن أوليائه ، لأنك تركت عبادة من له الخلق والأمر ، وعبدت ما لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا .

ومصيبة الخذلان ، بحيث لا تجد من يعينك أو ينصرك ، فى ساعة أنت أحوج ما تكون فيها إلى العون والنصر .

وجاء الخطاب فى قوله - تعالى - : { لا تجعل } عاما ، لكى يشعر كل فرد يصلح للخطاب أن هذا النهى موجه إليه ، وصادر إلى شخصه . لأن سلامة الاعتقاد مسألة شخصية ، مسئول عنها كل فرد بذاته وسيحمل وحده تبعة انحرافه عن طريق الحق

{ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }

وقوله { فتقعد } منصوب لأنه وقع بعد الفاء جوابا للنهى . وقوله { مذموما مخذولا } حالان من الفاعل .

وفى هذه الجملة الكريمة تصوير بديع لحال الإِنسان المشرك ، وقد حط به الذم والخذلان ، فقعد مهموما مستكينا عاجزا عن تحصيل الخيرات ، ومن السعى فى تحصيلها .

قال الآلوسى : وفى الآية الكريمة إشعار بأن الموحد جامع بين المدح والنصرة .

ثم ساق - سبحانه - بضع عشرة آية ، تناولت مجموعة من التكاليف تزيد على عشرين أمرا ونهيا .

وهذه التكاليف قد افتتحت بالنهى عن الإِشراك بالله - تعالى - وبالأمر بالإِحسان إلى الوالدين قال - تعالى - : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً . . . } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا} (22)

يقول تعالى : والمراد المكلفون من الأمة ، لا تجعل أيها المكلف في عبادتك ربك له شريكًا { فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا } على إشراكك{[17381]} { مَخْذُولا } لأن الرب تعالى لا ينصرك ، بل يكلك إلى الذي عبدت معه ، وهو لا يملك لك{[17382]} ضرًا ولا نفعًا ؛ لأن مالك الضر والنفع{[17383]} هو الله وحده لا شريك له . وقد قال الإمام أحمد :

حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا بشير بن سلمان ، عن سَيَّار أبي الحكم ، عن طارق بن شهاب ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى ، إما أجَلٌ [ عاجل ]{[17384]} وإما غنى عاجل " .

ورواه أبو داود ، والترمذي من حديث بشير بن سلمان ، به{[17385]} ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب .


[17381]:في ف: "شركك".
[17382]:في ت: "له".
[17383]:في ف: "النفع واالضر".
[17384]:زيادة من ف، أ، والمسند.
[17385]:سنن أبي داود برقم (1645) وسنن الترمذي برقم (2326).