معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ} (35)

قوله تعالى : { كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم } نختبركم { بالشر والخير } بالشدة والرخاء والصحة والسقم ، والغنى والفقر ، وقيل : بما تحبون وما تكرهون { فتنةً } ابتلاءً لتنظر كيف شكركم فيما تحبون ، وصبركم فيما تكرهون . { وإلينا ترجعون* }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ} (35)

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ْ } وهذا يشمل سائر نفوس الخلائق ، وإن هذا كأس لا بد من شربه وإن طال بالعبد المدى ، وعمّر سنين ، ولكن الله تعالى أوجد عباده في الدنيا ، وأمرهم ، ونهاهم ، وابتلاهم بالخير والشر ، بالغنى والفقر ، والعز والذل والحياة والموت ، فتنة منه تعالى ليبلوهم أيهم أحسن عملا ، ومن يفتتن عند مواقع الفتن ومن ينجو ، { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ْ } فنجازيكم بأعمالكم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ْ } وهذه الآية ، تدل على بطلان قول من يقول ببقاء الخضر ، وأنه مخلد في الدنيا ، فهو قول ، لا دليل عليه ، ومناقض للأدلة الشرعية .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ} (35)

ثم أكد - سبحانه - عدم خلود بشر فى هذه الحياة فقال : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت } .

أى : كل نفس أوجدها الله - تعالى - فى هذه الحياة ، ستذوق مرارة نزول الموت بها . ومفارقة روحها لجسدها .

قال الآلوسى ما ملخصه : والموت عند الأشعرى ، كيفية وجودية تضاد الحياة ، وعند كثيرين غيره : أنه عدم الحياة عما من شأنه الحياة بالفعل .

وقال بعضهم : المراد بالنفس هنا : النفس الإنسانية لأن الكلام مسوق لنفى خلود البشر .

واختير عمومها لتشمل نفوس البشر والجن وسائر نفوس الحيوان .

وقوله - تعالى - : { وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } بيان لسنة من سننه - تعالى - فى معاملة عباده .

وقوله - سبحانه - : { وَنَبْلُوكُم } من البَلْوِ بمعنى الاختبار والامتحان . يقال : فلان بلاه الله بخير أو شر يبلوه بَلْواً ، وأبلاه وابتلاه ابتلاء ، بمعنى امتحنه .

وقوله : { فِتْنَةً } مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه .

أى : كل نفس ذائقة الموت ، ونختبركم فى هذه الحياة بألوان من النعم وبألوان من المحن ، لنرى أتشكرون عند النعمة ، وتصبرون عند المحنة ، أم يكون حالكم ليس كذلك ؟ وفى جميع الأحوال فإن مرجعكم إلينا لا محالة ، وسنجازيكم بما تستحقون من ثواب على شكركم وصبركم ، وسنجازى غير الشاكرين وغير الصابرين بما يستحقون من عقاب ، ولا يظلم ربك أحدا .

قال بعض العلماء : " والابتلاء بالشر مفهوم أمره ليتكشف مدى احتمال المبتلى ، ومدى صبره على الضر ، ومدى ثقته فى ربه ، ورجائه فى رحمته .

. . فأما الابتلاء بالخير فهو فى حاجة إلى بيان .

إن الابتلاء بالخير أشد وطأة . فكثيرون يصمدون أمام الابتلاء بالشر ولكن القلة القليلة هى التى تصمد للابتلاء بالخير .

كثيرون يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف ، وقليلون هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة .

كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان ، فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل . وقليلون هم الذين يصبرون على الثراء ومغرياته وما يثيره من أطماع .

كثيرون يصبرون على الكفاح و الجراح ، وقليلون هم الذين يصبرون على الدعة ، ولا يصابون بالحرص الذى يذل أعناق الرجال .

إن الابتلاء بالشر قد يثير الكبرياء ، ويستحث المقاومة ويجند الأعصاب لاستقبال الشدة . . . أما الرخاء فقد يرخى الأعصاب ويفقدها المقاومة . . . إلا من عصم الله ، وصدق رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول : " عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " .

وشيبه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بالبأسآء والضرآء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } وقوله - سبحانه - : { وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات والسيئات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ} (35)

وقد روي عن الشافعي ، رحمه الله ، أنه أنشد واستشهد بهذين البيتين :

تمنى رجال أن أموت وإن أمت *** فَتلْكَ سَبيل لَسْت فيهَا بأوْحد

فقُلْ للَّذي يَبْغي خلاف الذي مضى : *** تَهَيَّأ لأخْرى مثْلها فكَأن قد{[19627]} وقوله : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } أي : نختبركم بالمصائب تارة ، وبالنعم أخرى ، لننظر من يشكر ومن يكفر ، ومن يصبر ومن يقنط ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { ونبلوكم } ، يقول : نبتليكم بالشر والخير فتنة ، بالشدة والرخاء ، والصحة والسقم ، والغنى والفقر ، والحلال والحرام ، والطاعة والمعصية والهدى والضلال . .

وقوله : { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } أي : فنجازيكم بأعمالكم .


[19627]:- البيتان ذكرهما البيهقي في مناقب الشافعي (2/62) والرازي في مناقب الشافعي (ص119).