اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ} (35)

قوله{[28381]} : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت } هذا العموم{[28382]} مخصوص فإن له تعالى نفساً لقوله تعالى : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ }{[28383]} مع الموت لا يجوز عليه .

قال ابن الخطيب : وكذا الجمادات لها نفوس ، وهي لا تموت{[28384]} ، والعام المخصوص حجة فيبقى معمولاً به فيما عدا هذه الأشياء ، وذلك يبطل قول الفلاسفة في أن الأرواح البشرية والعقول والنفوس الفلكية لا تموت . واعلم أن الذوق ها هنا لا يمكن إجراؤه على ظاهره ، لأن الموت ليس من جنس المطعوم حتى يذاق ، بل الذوق إذ ذاك خاص ، فيجوز جعله مجازاً عن أصل الإدراك{[28385]} .

وأما الموت فالمراد منه هنا مقدماته من الآلام العظيمة ، لأن الموت قبل دخوله في الوجود يمتنع إدراكه ، وحال وجوده يصير الشخص ميتاً ، والميت لا يدرك شيئاً والإضافة في { ذَآئِقَةُ الموت } في تقدير الانفصال ، لأنه لما يستقبل{[28386]} ، كقوله{[28387]} : { غَيْرَ مُحِلِّي الصيد }{[28388]} و { هَدْياً بَالِغَ الكعبة }{[28389]} .

قوله : { وَنَبْلُوكُم بالشر والخير } «نَبْلُوكُمْ » نختبركم «بالشَّر والخَيْرِ » بالشدة والرخاء ، والصحة والسقم والغنى والفقر . وقيل : بما تحبون وما تكرهون{[28390]} لكي يشكر على المنح ويصبر على المحن ، فيعظم ثوابه إذا قام بما يلزم . وإنما سمي ذلك ابتلاء{[28391]} وهو عالم بما يكون من أعمال العالمين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار{[28392]} . قوله : «فِتْنَةً » في نصبه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه مفعول من أجله{[28393]} .

الثاني : أنه مصدر في موضع الحال ، أي فاتنين{[28394]} .

الثالث : أنه مصدر من معنى العامل لا من لفظه ، لأن الابتلاء فتنة ، فكأنه قيل : نفتنكم فتنة{[28395]} . ثم قال : «وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ » أي : إلى حكمه ومحاسبته ومجازاته بيّن بذلك بطلان قولهم في نفي البعث والمعاد{[28396]} . وقرأ العامة «ترجعون » بتاء الخطاب مبنياً للمفعول{[28397]} . وغيرهم بياء الغيبة على الالتفات{[28398]} .


[28381]:في ب: قوله تعالى.
[28382]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/169.
[28383]:[المائدة: 116].
[28384]:انظر الفخر الرازي 22/169.
[28385]:انظر الفخر الرازي 22/169.
[28386]:وتسمى هذه الإضافة بالإضافة اللفظية، وبالإضافة غير المحضة، وهي أن يكون المضاف وصفا يشبه الفعل المضارع وهو كل اسم فاعل أو مفعول بمعنى الحال أو الاستقبال أو صفة مشبهة ولا تكون إلا بمعنى الحال. فمثال اسم الفاعل هذا ضارب زيد الآن أو غدا. واسم المفعول هذا مضروب الأب. والصفة المشبهة هذا حسن الوجه. وهذه الإضافة لا تفيد تخصيصا ولا تعريفا، والدليل على ذلك وصف النكرة في قوله تعالى: {هديا بالغ الكعبة} [المائدة: 95] وإنما تفيد التخفيف وهو حذف التنوين ونون الجمع والتثنية من المضاف ورفع القبح في نحو مررت بالرجل الحسن الوجه ففي رفع الوجه على الفاعلية قبح خلو الصفة عن ضمير يعود على الموصوف وفي نصبه على التشبيه بالمفعول به قبح إجراء الفعل القاصر مجرى وصف الفعل المتعدي، وفي الجر تخلص منهما. انظر شرح التصريح 2/27-29.
[28387]:في ب: لقوله.
[28388]:من قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلّي الصيد وأنتم حرم إنّ الله يحكم ما يريد} [المائدة: 1] فـ "محلي" اسم فاعل مضاف إلى مفعوله.
[28389]:[المائدة: 95]. فـ "بالغ الكعبة" نعت لـ "هديا" و "هديا" نكرة وهذا دليل على أن الإضافة غير المحضة لا تفيد تخصيصا ولا تعريفا.
[28390]:انظر البغوي 5/486.
[28391]:في الأصل: ابتداء وهو تحريف.
[28392]:انظر الفخر الرازي 22/169-170.
[28393]:انظر التبيان 2/918، والبحر المحيط 6/311.
[28394]:المرجعان السابقان.
[28395]:انظر الكشاف 3/11، التبيان 2/918، والبحر المحيط 6/311.
[28396]:انظر الفخر الرازي 22/170.
[28397]:في السبعة قال ابن مجاهد: (روى عباس عن أبي عمرو: "ترجعون" بالياء مضمومة وقرأ ابن عامر وحده "ترجعون" بنصب التاء، والباقون "إلينا ترجعون" بضم التاء ) 429.
[28398]:قال أبو حيان: (وقرأت فرقة بضم الياء للغيبة مبنيا للمفعول على سبيل الالتفات) البحر المحيط 6/311.