الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ} (35)

وقوله سبحانه : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت } [ الأنبياء : 35 ] موعظةٌ بليغةٌ لِمَنْ وُفِّقَ ، قال أَبو نُعَيْم : كان الثَّوْرِيُّ ( رضي اللّه عنه ) إذَا ذَكَرَ الموتَ لا يُنْتَفَعُ به أَيَّاماً انتهى من «التذكرة » للقرطبيِّ .

قال عبدُ الحقِّ في «العاقبة » ، وقد أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بذكر الموتِ ، وأَعَادَ القولَ فيه تهويلاً لأَمرهِ ، وتعظيماً لشأْنِهِ ، ثم قال : واعلم أَنّ كثرةَ ذِكْرِ الموت يُرْدِعُ عن المعاصي ، ويلين القلب القاسي .

قال الحسن ما رأيت عاملاً قطُّ إلا وجدته حَذِراً من الموت حزيناً من أَجْلِهِ ، ثم قال : واعلم : أَنَّ طُولَ الأَمَلِ يكسل عن العمل ، ويُورِثُ التواني ، ويخلد إلى الأرض ، ويُمِيلُ إلى الهوى ، وهذا أَمرٌ قد شُوهِدَ بالعيان فلا يحتاج إلى بيان ، ولا يُطَالَبُ صَاحِبُهُ بالبرهان كما أَنَّ قِصَرَهُ يبعث على العَمَلِ ، وَيَحْمِلُ على المُبَادَرَةِ ، ويَحُثُّ على المسابقة ، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( أنا النَّذِيرُ والمَوْتُ المُغِيرُ ، والسَّاعَةَ المَوْعِدُ ) ذكره القاضي أبو الحسن بنُ صَخْرٍ في الفوائد انتهى .

{ وَنَبْلُوكُم } معناه : نَخْتَبِرُكُم ، وقَدَّمَ { الشَّرّ } على لَفْظَةِ { الخير } لأَنَّ العَرَبَ من عادتها أَنْ تقَدِّمَ الأَقَلَّ والأَزْدَى ومنه قوله تعالى : { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات } [ فاطر : 32 ] . فبدأ تعالى في تقسيم أُمَّةِ سَيِّدِنا محمد صلى الله عليه وسلم بالظالم . و{ فِتْنَةً } معناه : امتحاناً .