البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ} (35)

{ كل نفس ذائقة الموت } تقدم تفسير هذه الجملة { ونبلوكم } نختبركم وقدم الشر لأن الابتلاء به أكثر ، ولأن العرب تقدم الأقل والأردأ ، ومنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات .

وعن ابن عباس : الخير والشر هنا عام في الغنى والفقر ، والصحة والمرض ، والطاعة والمعصية ، والهدى والضلال .

قال ابن عطية : هذان الأخيران ليسا داخلين في هذا لأن من هدى فليس هذه اختياراً ولا من أطاع .

بل قد تبين خيره .

والظاهر أن المراد من الخير والشر هنا كل ما صح أن يكون فتنة وابتلاء انتهى .

وعن ابن عباس أيضاً : بالشدة والرخاء أتصبرون على الشدة وتشكرون على الرخاء أم لا .

وقال الضحاك : الفقر والمرض والغنى والصحة .

وقال ابن زيد : المحبوب والمكروه ، وانتصب { فتنة } على أنه مفعول له أو مصدر في موضع الحال ، أو مصدر من معنى { نبلوكم } { وإلينا ترجعون } فنجازيكم على ما صدر منكم في حالة الابتلاء من الصبر والشكر ، وفي غير الابتلاء .

وقرأ الجمهور { تُرجعون } بتاء الخطاب مبنياً للمفعول .

وقرأت فرقة بالتاء مفتوحة مبنياً للفاعل .

وقرأت فرقة بضم الياء للغيبة مبنياً للمفعول على سبيل الالتفات .