معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا عَتَوۡاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنۡهُ قُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ} (166)

قوله تعالى : { فلما عتوا عما نهوا عنه } ، قال ابن عباس : أبوا أن يرجعوا عن المعصية .

قوله تعالى : { قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين } ، مبعدين ، فمكثوا ثلاثة أيام ينظر بعضهم إلى بعض ، وينظر إليهم الناس ثم هلكوا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّا عَتَوۡاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنۡهُ قُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ} (166)

فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ أي : قسوا فلم يلينوا ، ولا اتعظوا ، قُلْنَا لَهُمْ قولا قدريا : كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فانقلبوا بإذن اللّه قردة ، وأبعدهم اللّه من رحمته ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا عَتَوۡاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنۡهُ قُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ} (166)

ثم فصل - سبحانه - ما عوقبوا به من العذاب البئيس الذي أصابهم فقال تعالى : { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } أى فلما تكبروا عن ترك ما نهاهم عنه الواعظون ، قلنا لهم كونوا قردة صاغرين فكانوا كذلك .

قال الآلوسى : ( والأمر في قوله تعالى { قُلْنَا } تكوينى لا تكليفى ، لأنه ليس في وسعهم حتى يكلفوا به ، وهذا كقوله تعالى { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } في أنه يحتمل أن يكون هناك قول وأن يكون الغرض مجرد التمثيل ) .

وقيل في تفسير الآية : إن الله تعالى - عاقب القوم أو لا بالعذاب البئيس الذي يتناول البؤس والشقاء والفقر في المعيشة ، فلما لم يرتدعوا ويثوبوا إلى رشدهم ، مسخهم مسخا خِلقيا وجسميا ، فكانوا قردة على الحقيقة ، وهو الظاهر من الآية ، وعليه الجمهور :

وقيل : مسخهم مسخاً خُلقياً ونفسياً ، فصاروا كالقردة في شرورها وإفسادها لما تصل إليه أيديها ، وهذا مروى عن مجاهد .

وتلك العقوبة كانت جزاء إمعانهم في المعاصى ، وتأبيهم عن قبول النصحية ، وضعف إرادتهم أمام مقاومة أطماعهم ، وانتكاسهم إلى عالم الحيوان لتخليهم عن خصائص الإنسان ، فكانوا حيث أرادوا لأنفسهم من الصغار والهوان .

هذا وقد استدل العلماء بهذه الآيات الكريمة على تحريم الحيل القبيحة التي يتخذها بعض الناس ذريعة للتوصل إلى مقاصدهم الذميمة . وغاياتهم الدنيئة ومطامعهم الخسيسة .

وقد أفاض الإمام ابن القيم في كتابه ( إغاثة اللهفان ) في إيراد الأدلة الدالة على هذا التحريم ، فقال ما ملخصه : ( ومن مكايد الشيطان التي كاد بها الإسلام وأهله ، الحيل والمكر والخداع الذي يتضمن تحليل ما حرم الله وإسقاط ما فرضه ، ومضادته في أمره ونهيه ، وهى من الباطل الذي اتفق السلف على ذمه ، فإن الرأى رأيان : رأى يوافق النصوص وتشهد له بالصحة والاعتبار ، وهو الذي اعتبره السلف وعملوا به . ورأى يخالف النصوص وتشهد له بالإبطال والإهدار ، وهو الذي ذموه وأهدروه .

وكذلك الحيل نوعان : نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر الله - تعالى - به وترك ما نهى عنه ، والتخلص من الحرام وتخليص المحق من الظالم المانع له ، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغى ، فهذا النوع محمود يثاب فاعله ومعلمه . ونوع يتضمن إسقاط الواجبات ، وتحليل المحرمات ، وقلب المظلوم ظالما ، والظالم مظلوما ، والحق باطلا ، والباطل حقا . فهذا الذي اتفق السلف على ذمه ، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض . . ثم قال :

إن الله تعالى أخبر عن أهل السبت من اليهود بمسخهم قردة ، لما تحايلوا على إباحة ما حرمه الله تعالى - عليهم من الصيد ، بأن نصبوا الشباك يوم الجمعة ، فلما وقع فيها الصيد ، أخذوه يوم الأحد .

قال بعض الأئمة : ففى هذا زجر عظيم لمن يتعاطى الحيل على المناهى الشرعية ، ممن يتلبس بعلم الفقه وهو غير فقيه ، إذ الفقيه من يخشى الله - تعالى - بحفظ حدوده ، وتعظيم حرماته ، والوقوف عندها ، وليس المتحيل على إباحة محارمه ، وإسقاط فرائضه ، ومعلوم أنهم لم يستحلوا ذلك تكذيباً لموسى - عليه السلام - وكفراً بالتوراة ، وإنما هو استحلال تأويل واحتيال ، ظاهرة ظاهر الإيفاء ، وباطنه باطن الاعتداء ، ولهذا مسخوا قردة ، لأن صورة القردة فيها شبه من صورة الإنسان ، فلما مسخ أولئك المعتدون دين الله تعالى بحيث لم يتمسكوا إلا بما يشبه الدين في بعض مظاهره دون حقيقته ، مسخهم سبحانه قردة يشبهونهم في بعض ظواهرهم دون الحقيقة جزاء وفاقا ، وفى الحديث الشريف " لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، وتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل "

وفى الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :

" قاتل الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها "

وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : " بلغ عمر - رضى الله عنه - أن سمرة باع خمراً فقال : قاتل الله سمره . ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجملوها - أى أذبواها - فباعوها ) .

وبهذا تكون الآيات الكريمة قد دمغت العادين في السبت من اليهود ، برذيلة الجهالة وضعف الإرادة ، وتحايلهم القبيح على استحلال محارم الله ، مما جعلهم أهلا للعذاب الشديد والمسخ الشنيع ، جزاء إمعانهم في المعصية وصممهم عن سماع الموعظة ، وما ربك بظلام للعبيد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّا عَتَوۡاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنۡهُ قُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ} (166)

138

( فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ )

كان ذلك العذاب البئيس هو المسخ عن الصورة الآدمية إلى الصورة القردية ! لقد تنازلوا هم عن آدميتهم ، حين تنازلوا عن أخص خصائصها - وهو الإرادة التي تسيطر على الرغبة - وانتكسوا إلى عالم " الحيوان " حين تخلوا عن خصائص " الإنسان " . فقيل لهم أن يكونوا حيث أرادوا لأنفسهم من الانتكاس والهوان !

أما كيف صاروا قردة ؟ وكيف حدث لهم بعد أن صاروا قردة ؟ هل انقرضوا كما ينقرض كل ممسوخ يخرج عن جنسه ؟ أم تناسلوا وهم قردة ؟ . . . إلى آخر هذه المسائل التي تتعدد فيها روايات التفسير . . . فهذا كله مسكوت عنه في القرآن الكريم ؛ وليس وراءه عن رسول الله [ ص ] شيء . . فلا حاجة بنا نحن إلى الخوض فيه .

لقد جرت كلمة الله التي يجري بها الخلق والتكوين ابتداء ؛ كما يجري بها التحوير والتغيير . . كلمة " كن " .

( قلنا لهم : كونوا قردة خاسئين ) . .

فكانوا قردة مهينين . كما جرى القول الذي لا راد له ؛ ولا يعجز قائله عن شيء سبحانه !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا عَتَوۡاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنۡهُ قُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ} (166)

( العتو ) تقدم عند قوله تعالى : { فعقروا الناقة وعَتوا عن أمر ربهم } في هذه السورة ( 77 ) .

وقوله : { قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } تقدم القول في نظيره عند قوله تعالى : { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين } في سورة البقرة ( 65 ) ، ولأجل التشابه بين الآيتين ، وذكر العدْوِ في السبت فيهما ، وذكرِه هنا في الإخبار عن القرية ، جزم المفسرون بأن الذين نسوا مَا ذكروا به وعتوا عما نهوا عنه هم أهل هذه القرية ، وبأن الأمة القائلة { لم تعظون قوماً } هي أمة من هذه القرية فجزموا بأن القصة واحدة ، وهذا وإن كان لا ينبو عنه المقام ، كما أنه لا يمنعُ تشابه فريقين في العذاب ، فقد بينتُ أن ذلك لا ينافي جعل القصة في معنى قصتين من جهة الاعتبار .