معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (170)

قوله تعالى : { والذين يمسكون بالكتاب } قرأ أبو بكر عن عاصم : ( يمسكون ) بالتخفيف ، وقراءة العامة بالتشديد ، لأنه يقال : مسكت بالشيء ، ولا يقال أمسكت بالشيء ، إنما يقال : أمسكته ، وقرأ أبي بن كعب : ( والذين تمسكوا بالكتاب ) ، على الماضي ، وهو جيد ، لقوله تعالى : { وأقاموا الصلاة } إذ قل ما يعطف ماض على مستقبل إلا في المعنى ، وأراد الذين يعملون بما في الكتاب ، قال مجاهد : هم المؤمنون من أهل الكتاب ، عبد الله بن سلام وأصحابه ، تمسكوا بالكتاب الذي جاء به موسى فلم يحرفوه ، ولم يكتموه ، ولم يتخذوه مأكلةً . وقال عطاء : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (170)

وإنما العقلاء حقيقة من وصفهم اللّه بقوله وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ أي : يتمسكون به علما وعملا فيعلمون ما فيه من الأحكام والأخبار ، التي علمها أشرف العلوم .

ويعلمون بما فيها من الأوامر التي هي قرة العيون وسرور القلوب ، وأفراح الأرواح ، وصلاح الدنيا والآخرة .

ومن أعظم ما يجب التمسك به من المأمورات ، إقامة الصلاة ، ظاهرا وباطنا ، ولهذا خصها الله بالذكر لفضلها ، وشرفها ، وكونها ميزان الإيمان ، وإقامتها داعية لإقامة غيرها من العبادات .

ولما كان عملهم كله إصلاحا ، قال تعالى : إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ في أقوالهم وأعمالهم ونياتهم ، مصلحين لأنفسهم ولغيرهم .

وهذه الآية وما أشبهها دلت على أن اللّه بعث رسله عليهم الصلاة والسلام بالصلاح لا بالفساد ، وبالمنافع لا بالمضار ، وأنهم بعثوا بصلاح الدارين ، فكل من كان أصلح ، كان أقرب إلى اتباعهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (170)

ثم أثنى الله - تعالى - على من تمسك بكتابه ، فأحل حلاله وحرم حرامه ، ولم يتقول على الله الكذب فقال تعالى : { والذين يُمَسِّكُونَ بالكتاب وَأَقَامُواْ الصلاة إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين } والمراد بالكتاب التوراة أو القرآن أو جنس الكتب السماوية عموما .

والمعنى : والذين يستمسكون بأوامر الكتاب الذي أنزله الله ويعتصمون بحبله في جميع شئونهم إنا لا نضيع أجرهم لأنهم قد أصلحوا دينهم ودنياهم والله لا يضيع أجر من أحسن عملا .

وخص الصلاة بالذكر مع دخولها فيما قبلها إظهارا لمزيتها لكونها عماد الدين وناهية عن الفحشاء والمنكر .

وبذلك تكون الآيتان الكريمتان قد وبختا اليهود لافترائهم على الله الكذب وردتا عليهم في دعواهم أن ذنوبهم مغفورة لهم مع تعمدهم أكل أموال الناس بالباطل ، وبينتا لهم طريق الفلاح لكى يسيروا عليها ، إن كانوا ممن ينتفع بالذكر ، ويعتبر بالمثلات . ثم ختمت السورة الكريمة حديثها الطويل عن بنى إسرائيل بتذكيرهم بالعهد الذي أخذه الله عليهم ، وبأمرهم بالإيمان والعمل الصالح فقالت : { والذين يُمَسِّكُونَ . . . } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (170)

138

( والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة ، إنا لا نضيع أجر المصلحين ) .

وهو تعريض بالذين أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا مافيه ؛ ثم هم لا يتمسكون بالكتاب الذي درسوه ، ولا يعملون به ، ولا يحكمونه في تصوراتهم وحركاتهم ؛ ولا في سلوكهم وحياتهم . . غير أن الآية تبقى - من وراء ذلك التعريض - مطلقة ، تعطي مدلولها كاملاً ، لكل جيل ولكل حالة .

إن الصيغة اللفظية : ( يمسكون ) . . تصور مدلولاً يكاد يحس ويرى . . إنها صورة القبض على الكتاب بقوة وجد وصرامة . . الصورة التي يحب الله أن يؤخذ بها كتابه وما فيه . . في غير تعنت ولا تنطع ولا تزمت . . فالجد والقوة والصرامة شيء والتعنت والتنطع والتزمت شيء آخر . . إن الجد والقوة والصرامة لا تنافي اليسر ولكنها تنافي التميع ! ولا تنافي سعة الأفق ولكنها تنافي الاستهتار ! ولا تنافي مراعاة الواقع ولكنها تنافي أن يكون " الواقع " هو الحكم في شريعة الله ! فهو الذي يجب أن يظل محكوماً بشريعة الله !

والتمسك بالكتاب في جد وقوة وصرامة ؛ وإقامة الصلاة - أي شعائر العبادة - هما طرفا المنهج الرباني لصلاح الحياة . . والتمسك بالكتاب في هذه العبارة مقروناً إلى الشعائر يعني مدلولاً معيناً . إذ يعني تحكيم هذا الكتاب في حياة الناس لإصلاح هذه الحياة ، مع إقامة شعائر العبادة لإصلاح قلوب الناس . فهما طرفان للمنهج الذي تصلح به الحياة والنفوس ، ولا تصلح بسواه . . والإشارة إلى الإصلاح في الآية :

( إنا لا نضيع أجر المصلحين ) . .

يشير إلى هذه الحقيقة . . حقيقة أن الاستمساك الجاد بالكتاب عملاً ، وإقامة الشعائر عبادة هما أداة الإصلاح الذي لا يضيع الله أجره على المصلحين .

وما تفسد الحياة كلها إلا بترك طرفي هذا المنهج الرباني . . ترك الاستمساك الجاد بالكتاب وتحكيمه في حياة الناس ؛ وترك العبادة التي تصلح القلوب فتطبق الشرائع دون احتيال على النصوص ، كالذي كان يصنعه أهل الكتاب ؛ وكالذي يصنعه أهل كل كتاب ، حين تفتر القلوب عن العبادة فتفتر عن تقوى الله . .

إنه منهج متكامل . يقيم الحكم على أساس الكتاب ؛ ويقيم القلب على أساس العبادة . . ومن ثم تتوافى القلوب مع الكتاب ؛ فتصلح القلوب ، وتصلح الحياة .

إنه منهج الله ، لا يعدل عنه ولا يستبدل به منهجاً آخر ، إلا الذين كتبت عليهم الشقوة وحق عليهم العذاب !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (170)

{ والذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة } عطف على الذين { يتقون } وقوله : { أفلا يعقلون } اعتراض أو مبتدأ خبره : { إنا لا نضيع أجر المصلحين } على تقدير منهم ، أو وضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على أن الإصلاح كالمانع من التضييع . وقرأ أبو بكر { يمسكون } بالتخفيف وإفراد الإقامة لإنافتها على سائر أنواع التمسكات .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (170)

وقوله : { والذين } عطف على قوله : { للذين يتقون } وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وأبو عمرو والناس : «يَمَسّكون » بفتح الميم وشد السين وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو العالية وعاصم وحده في رواية أبي بكر .

«يمْسِكون » بسكون الميم وتخفيف السين ، وكلهم خفف { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } إلا أبا عمرو فإنه قرأ : «ولا تمَسّكوا » بفتح الميم وشد السين ، وقرأ الأعمش «والذين استمسكوا » وفي حرف أبيّ «والذين مسكوا » يقال أمسك ومسك وهما لغتان بمعنى واحد ، قال كعب بن زهير : [ البسيط ]

فما تمسك بالعهد الذي زعمت*** إلا كما تمسك الماء الغرابيل

أما أن شد السين يجري مع التعدي بالباء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (170)

وقعت جملة : { والذين يمسِكون بالكتاب } إلى آخرها عقب التي قبلها : لأن مضمونها مقابلَ حكمَ التي قبلها إذ حصل من التي قبلها أن هؤلاء الخلف الذين أخذوا عرض الأدني قد فرطوا في ميثاق الكتاب ، ولم يكونوا من المتقين ، فعُقب ذلك ببشارة من كانوا ضد أعمالهم ، وهم الآخذون بميثاق الكتاب والعاملون ببشارته بالرسل ، وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فأولئك يستكملون أجرهم لأنهم مصلحون . فكني عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم بإقامة الصلاة ، لأن الصلاة شعار دين الإسلام ، حتى سمي أهل الإسلام أهلَ القبلة ، فالمراد من هؤلاء هم من آمن من اليهود بعيسى في الجملة وإن لم يتبعوا النصرانية ، لأنهم وجدوها مبدّلة محرّفة فبقوا في انتظار الرسول المخلّص الذي بشرت به التوراة والإنجيل ، ثم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم حين بُعث : مثل عبد الله بن سَلاَم .

ويحتمل أن المراد بالذين يمسكون بالكتاب : المسلمون ، ثناء عليهم بأنهم الفائزون في الآخرة وتبشيراً لهم بأنهم لا يسلكون بكتابهم مسلك اليهود بكتابهم .

وجملة : { إنا لا نضيع أجر المصلحين } خبر عن الذين يمسكون ، والمصلحون هم ، والتقدير : إنّا لا نضيع أجرهم لأنهم مصلحون ، فطوي ذكرهم اكتفاء بشمول الوصف لهم وثناء عليهم على طريقة الإيجاز البديع .