مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (170)

أما قوله تعالى : { والذين يمسكون بالكتاب } يقال مسكت بالشيء وتمسكت به واستمسكت به وامتسكت به ، وقرأ أبو بكر عن عاصم { يمسكون } مخففة والباقون بالتشديد . أما حجة عاصم فقوله تعالى : { فإمساك بمعروف } وقوله : { أمسك عليك زوجك } وقوله : { فكلوا مما أمسكن عليكم } قال الواحدي : والتشديد أقوى ، لأن التشديد للكثرة وههنا أريد به الكثرة ، ولأنه يقال : أمسكته ، وقلما يقال أمسكت به .

إذا عرفت هذا فنقول : في قوله : { والذين يمسكون بالكتاب } قولان :

القول الأول : أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره { إنا لا نضيع أجر المصلحين } والمعنى : إنا لا نضيع أجرهم وهو كقوله : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } وهذا الوجه حسن لأنه لما ذكر وعيد من ترك التمسك بالكتاب أردفه بوعد من تمسك به .

والقول الثاني : أن يكون مجرورا عطفا على قوله : { الذين يتقون } ويكون قوله : { إنا لا نضيع } زيادة مذكورة لتأكيد ما قبله .

فإن قيل : التمسك بالكتاب يشتمل على كل عبادة ، ومنها إقامة الصلاة فكيف أفردت بالذكر ؟

قلنا : إظهارا لعلو مرتبة الصلاة ، وأنها أعظم العبادات بعد الإيمان .