إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (170)

{ والذين يُمَسّكُونَ بالكتاب } أي يتمسكون في أمور دينهم ، يقال : مسَك بالشيء وتمسّك به . قال مجاهد : هم الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد اللَّه بن سلام وأصحابِه تمسكوا بالكتاب الذي جاء به موسى عليه السلام فلم يحرّفوه ولم يكتُموه ولم يتخذوه مأكلةً{[307]} ، وقال عطاء : هم أمةُ محمد عليه الصلاة والسلام وقرىء يُمْسِكون من الإمساك وقرىء تمسّكوت واستمسكوا موافقاً لقوله تعالى : { وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ } ولعل التغييرَ في المشهورة للدلالة على أن التمسّك بالكتاب أمرٌ مستمرٌ في جميع الأزمنة بخلاف إقامةِ الصلاة فإنها مختصةٌ بأوقاتها ، وتخصيصُها بالذكر من بين سائر العبادات لإنافتها عليها ، ومحلُّ الموصولِ إما الجرُّ نسقاً على الذين يتقون وقولُه : أفلا تعقلون اعتراضٌ مقرر لما قبله وإما الرفعُ على الابتداء والخبر قوله تعالى : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين } والرابطُ إما الضميرُ المحذوفُ كما هو رأيُ جمهورِ البصْريين ، والتقديرُ أجرُ المصلحين منهم ، وإما الألفُ واللامُ كما هو رأيُ الكوفيين فإنه في حكم مُصلحيهم كما في قوله تعالى : { فَإِنَّ الجنة هي المأوى } [ النازعات ، الآية 41 ] أي مأواهم وقوله تعالى : { مفَتَّحَةً لَهُمُ الأبواب } [ ص ، الآية 50 ] أي أبوابُها ، وإما العمومُ في مصلحين فإنه من الروابط ، ومنه نعم الرجلُ زيدٌ على أحد الوجوه . وقيل : الخبرُ محذوفٌ والتقديرُ : والذين يمسّكون بالكتاب مأجورون أو مثابرون وقوله تعالى : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } الخ ، اعتراضٌ مقرر لما قبله .


[307]:المأكلة: الطعمة والمرتزق.