البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (170)

{ والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحِين } .

الظاهر أنّ الكتاب هو السابق ذكره في { ورثوا الكتاب } فيجيء الخلاف فيه كالخلاف في ذلك وهو مبني على المراد في قوله { خلف ورثوا } ، وقيل : الكتاب هنا للجنس أي الكتب الإلهية والتمسّك بالكتاب يستلزم إقامة الصلاة لكنها أفردت بالذكر تعظيماً لشأنها لأنها عماد الدين بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة ، وقرأ عمر وأبو العالية وأبو بكر عن عاصم { يمسكون } من أمسك والجمهور { يمسكون } مشدّداً من مسك وهما لغتان جمع بينهما كعب بن زهير فقال :

فما تمسّك بالعهد الذي زعمت *** إلا كما يمسك الماء الغرابيل

وأمسك متعدّ قال : { ويمسك السماء أن تقع عَلى الأرض } فالمفعول هنا محذوف أي يمسكون أعمالهم أي يضبطونها والباء على هذا تحتمل الحالية والآلة ومسك مشدد بمعنى تمسّك والباء معها للآلة وفعل تأتّي بمعنى تفعل نصّ عليه التصريفيون ، وقرأ عبد الله والأعمش : استمسكوا وفي حرف أبي تمسكوا بالكتاب والظاهر أن قوله { والذين } استئناف إخبار لما ذكر حال من لم يتمسك بالكتاب ذكر حال من استمسك به فيكون والذين على هذا مرفوعاً بالابتداء وخبره الجملة بعده كقوله { إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } إذا جعلنا الرابط هو في من أحسن عملاً وهو العموم كذلك هذا يكون الرابط هو العموم في { المصلحين } ، وقال الحوفي وأبو البقاء : الرابط محذوف تقديره أجر المصلحين اعتراض والتقدير مأجورون أو نأجرهم انتهى ، ولا ضرورة إلى ادعاء الحذف وأجاز أبو البقاء أن يكون الرّابط هو { المصلحين } وضعه موضع المضمر أي لا نضيع أجرهم انتهى ، وهذا على مذهب الأخفش حيث أجاز الرابط بالظاهر إذا كان هو المبتدأ فأجاز زيد قام أبو عمرو إذا كان أبو عمرو وكنية زيد كأنه قال : زيد أي هو وأجاز الزمخشري أن يكون { والذين } في موضع جرّ عطفاً على { الذين يتّقون } ولم يذكر ابن عطية غيره والاستئناف هو الظاهر كما قلنا .