معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

قوله تعالى :{ أولئك يجزون } يعني : ينالون ، { الغرفة } يعني : الدرجة الرفيعة في الجنة ، والغرفة : كل بناء مرتفع عال . وقال عطاء : يريد غرف الدر والزبرجد في الجنة ، { بما صبروا } على أمر الله تعالى وطاعته . وقيل : على أذى المشركين . وقيل : عن الشهوات { ويلقون فيها } قرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر : بفتح الياء وتخفيف القاف ، كما قال : { فسوف يلقون غياً } وقرأ الآخرون : بضم الياء وتشديد القاف كما قال : { ولقاهم نضرةً وسروراً } وقوله : { تحية } أي ملكاً ، وقيل : بقاء دائماً ، { وسلاماً } أي : يسلم بعضهم على بعض . وقال الكلبي : يحيي بعضهم بعضاً بالسلام ، ويرسل الرب إليهم بالسلام . وقيل : سلاماً أي : سلامة من الآفات .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

ولهذا ، لما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل فجازاهم بالمنازل العاليات فقال : { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا } أي : المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى وتلذه الأعين وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا كما قال تعالى : { وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } ولهذا قال هنا { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا } من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات .

والحاصل : أن الله وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده وحسن الأدب والحلم وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين والإعراض عنهم ومقابلة إساءتهم بالإحسان وقيام الليل والإخلاص فيه ، والخوف من النار والتضرع لربهم أن ينجيهم منها وإخراج الواجب والمستحب في النفقات والاقتصاد في ذلك - وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط ، فاقتصادهم وتوسطهم في غيره من باب أولى- والسلامة من كبائر الذنوب والاتصاف بالإخلاص لله في عبادته والعفة عن الدماء والأعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك ، وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية ولا يفعلونها بأنفسهم وأنهم يتنزهون من اللغو والأفعال الردية التي لا خير فيها ، وذلك يستلزم مروءتهم وإنسانيتهم وكمالهم ورفعة أنفسهم عن كل خسيس قولي وفعلي ، وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها والتفهم لمعانيها والعمل بها ، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها ، وأنهم يدعون الله تعالى بأكمل الدعاء ، في الدعاء الذي ينتفعون به ، وينتفع به من يتعلق بهم وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم ، ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم لأن من حرص على شيء ودعا الله فيه لا بد أن يكون متسببا فيه ، وأنهم دعوا الله ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم وهي درجة الإمامة والصديقية .

فلله ما أعلى هذه الصفات وأرفع هذه الهمم وأجل هذه المطالب ، وأزكى تلك النفوس وأطهر تلك القلوب وأصفى هؤلاء الصفوة وأتقى هؤلاء السادة "

ولله ، فضل الله عليهم ونعمته ورحمته التي جللتهم ، ولطفه الذي أوصلهم إلى هذه المنازل .

ولله ، منة الله على عباده أن بين لهم أوصافهم ، ونعت لهم هيئاتهم وبين لهم هممهم ، وأوضح لهم أجورهم ، ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم ، ويبذلوا جهدهم في ذلك ، ويسألوا الذي من عليهم وأكرمهم الذي فضله في كل زمان ومكان ، وفي كل وقت وأوان ، أن يهديهم كما هداهم ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم .

فاللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ولا نقدر على مثقال ذرة من الخير إن لم تيسر ذلك لنا ، فإنا ضعفاء عاجزون من كل وجه .

نشهد أنك إن وكلتنا إلى أنفسنا طرفة عين وكلتنا إلى ضعف وعجز وخطيئة ، فلا نثق يا ربنا إلا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا وأنعمت علينا بما أنعمت من النعم الظاهرة والباطنة وصرفت عنا من النقم ، فارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك فلا خاب من سألك ورجاك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

لقد بين - سبحانه - ما أعده فهم فقال : { أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } .

والغرفة فى الأصل : كل بناء مرتفع ، والجمع غرف وغرفات كما فى قوله - تعالى - : { لكن الذين اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ } وقوله - سبحانه - : { وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ } والمراد بها هنا : أعلى منازل الجنة أو الجنة نفسها أو جنسها الصادق بغرف كثيرة .

أى : أولئك المتقون المتصفون . بالصفات السابقة ، يجازيهم الله - تعالى - بأعلى المنازل والدرجات فى الجنة ، بسبب صبرهم على طاعته ، وبعدهم عن معصيته ويلقون فى تلك المنازل الرفيعة { تَحِيَّةً وَسَلاَماً } عن ربهم - عز وجل - ومن ملائكته الكرام ، ومن بعضهم لبعض .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

63

فأما جزاء عباد الرحمن فيختم به هذا البيان :

( أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ، ويلقون فيها تحية وسلاما ، خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ) . .

والغرفة ربما كان المقصود بها الجنة ، أو المكان الخاص في الجنة ، كما أن الغرفة أكرم من البهو فيما اعتاد الناس في البيوت في هذه الأرض ، عندما يستقبلون الأضياف . وأولئك الكرام الذين سبقت صفاتهم وسماتهم ، يستقبلون في الغرفة بالتحية والسلام ، جزاء ما صبروا على تلك الصفات والسمات . وهو تعبير ذو دلالة . فهذه العزائم تحتاج إلى الصبر على شهوات النفس ، ومغريات الحياة ، ودوافع السقوط . والاستقامة جهد لا يقدر عليه إلا بالصبر . الصبر الذي يستحق أن يذكره الله في هذا الفرقان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

{ أولئك يجزون الغرفة } أعلى مواضع الجنة وهي اسم جنس أريد به الجمع كقوله تعالى : { وهم في الغرفات آمنون } وللقراءة بها ، وقيل هي من أسماء الجنة . { بما صبروا } وبصبرهم على المشاق من مضض الطاعات ورفض الشهوات وتحمل المجاهدات . { ويلقون فيها تحية وسلاما } دعاء بالتعمير والسلامة أي يحييهم الملائكة ويسلمون عليهم ، أو يحيي بعضهم بعضا ويسلم عليه ، أو تبقية دائمة وسلامة من كل آفة ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر يلقون من لقي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

قرأ أبي كعب «يجازون » بألف ، و { الغرفة } من منازل الجنة وهي الغرفة فوق الغرف وهو اسم الجنة كما قال : [ الهزج ]

ولولا الحبة السمراء . . . لم نحلل بواديكم{[8891]}

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «ويُلَقّون » بضم الياء وفتح اللام وشد القاف وهي قراءة أبي جعفر وشيبة والحسن ، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم وطلحة ومحمد اليماني ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم «ويلْقون » بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف ، واختلف عن عاصم{[8892]} .


[8891]:الحبة: واحدة الحب، وهو ما يكون في السنبل والأكمام كالقمح والشعير، وجمع الحب: حبوب، والحلول: النزول، والشاهد أن الحبة: اسم جنس كالغرفة.
[8892]:لأن القراءة الثابتة في المصحف عن عاصم من طريق حفص جاءت بضم الياء وتشديد القاف.