مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

أما المنافع : فهي قوله : { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } والمراد أولئك يجزون الغرفات والدليل عليه قوله : { وهم في الغرفات آمنون } وقال : { لهم غرف من فوقها غرف } والغرفة في اللغة العلية وكل بناء عال فهو غرفة والمراد به الدرجات العالية . وقال المفسرون الغرفة اسم الجنة ، فالمعنى يجزون الجنة وهي جنات كثيرة ، وقرأ بعضهم : أولئك يجزون في الغرفة وقوله : { بما صبروا } فيه بحثان :

البحث الأول : احتج بالآية من ذهب إلى أن الجنة بالاستحقاق ، فقال الباء في قوله : { بما صبروا } تدل على ذلك ولو كان حصولها بالوعد لما صدق ذلك .

البحث الثاني : ذكر الصبر ولم يذكر المصبور عنه ، ليعم كل نوع فيدخل فيه صبرهم على مشاق التفكر والاستدلال في معرفة الله تعالى ، وعلى مشاق الطاعات ، وعلى مشاق ترك الشهوات وعلى مشاق أذى المشركين . وعلى مشاق الجهاد والفقر ورياضة النفس . فلا وجه لقول من يقول المراد الصبر على الفقر خاصة ، لأن هذه الصفات إذا حصلت مع الغنى استحق من يختص بها الجنة كما يستحقه بالفقر .

وثانيهما : التعظيم وهو قوله تعالى : { ويلقون فيها تحية وسلاما } : قرئ { يلقون } كقوله : { ولقاهم نضرة وسرورا } و{ يلقون } كقوله : { يلق أثاما } ، والتحية الدعاء بالتعمير والسلام الدعاء بالسلامة ، فيرجع حاصل التحية إلى كون نعيم الجنة باقيا غير منقطع ، ويرجع السلام إلى كون ذلك النعيم خالصا عن شوائب الضرر ، ثم هذه التحية والسلام يمكن أن يكون من الله تعالى لقوله : { سلام قولا من رب رحيم } ويمكن أن يكون من الملائكة لقوله : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } ، ويمكن أن يكون من بعضهم على بعض .