إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

{ أولئك } إشارةٌ إلى المتَّصفين بما فُصِّل في حيِّزِ صلة الموصُولات الثمَّانيةِ من حيثُ اتِّصافُهم به . وفيه دلالةٌ على أنَّهم متميِّزون بذلك أكمل تميُّزٍ منتظِمون بسببه في سلك الأمورِ المُشاهَدة ، وما فيه من معنى البُعد للإيذان ببُعدِ منزلتهم في الفضلِ . وهو مبتدأٌ خبرُه قولُه تعالى : { يُجْزَوْنَ الغرفة } والجملة مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب مبيِّنةٌ لما لهم في الآخرةِ من السَّعادةِ الأبديَّةِ إثرَ بيانِ ما لهمُ في الدُّنيا من الأعمال السَّنيةِ . والغُرفة الدَّرجةُ العاليةُ من المنازل وكلُّ بناءٍ مرتفعٍ عالٍ أي يُثابون أعلى منازل الجنَّةِ وهي اسمُ جنسٍ أُريد به الجمع كقولِه تعالى : { وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ } [ سورة سبأ ، الآية37 ] وقيل : هي اسمٌ من أسماء الجنَّةِ { بِمَا صَبَرُواْ } أي بصبرِهم على المشاقِّ من مضض الطَّاعاتِ ورفض الشَّهواتِ وتحمُّلِ المجاهدات { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا } من جهةِ الملائكةِ { تَحِيَّةً وسلاما } أي يحييهم الملائكةُ ويدعُون لهم بطول الحياة والسَّلامةِ من الآفاتِ ، أو يُعطون التَّبقيةَ والتَّخليدَ مع السَّلامةِ من كلِّ آفةٍ ، وقيل : يُحيِّي بعضُهم بعضاً ويُسلِّم عليه . وقرئ يلقَون من لَقِي .