اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

قوله : { أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة } أي : يثابون الغرفة ، وهي الدرجة العالية . و «الغُرْفَة » مفعول ثان ل «يُجْزَونَ » ، والغُرْفَةُ كُلُّ بِنَاء مرتفع ، والجمع غُرَفٌ{[36793]} .

قوله : «بِمَا صَبَرُوا » أي بِصَبْرِهم{[36794]} ، أي : بِسَببه أو بسبب الذي صبروه ، والأصل : صبروا عليه ، ثم حذف بالتدريج . والباء للسببية كما تقدم ، وقيل : للبدل{[36795]} ، كقوله :

فَلَيْتَ لِي بِهِمُ قَوْماً{[36796]} *** . . .

ولا حاجة إلى ذلك . وذكر الصبر ولم يذكر المصبور عنه ، ليعمّ جميع أنواع المشاقّ ، ولا وجه لقول من يقول : المراد الصبر على الفقر خاصة{[36797]} .

قوله : «وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا » قرأ الأخوان{[36798]} وأبو بكر{[36799]} بفتح الياء وسكون اللام من لَقِيَ يَلْقَى ، والباقون بضمها ، وفتح اللام وتشديد القاف على بنائه للمفعول{[36800]} ، كقوله : { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } [ الإنسان : 11 ] . والتحيّة الدعاء بالتعمير ، أي : بقاء دائماً ، وقيل : الملك . والسلام الدعاء بالسلامة ، أو يسلم بعضهم على بعض . وهذه التحيّة والسلام يمكن أن يكون من الله كقوله { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] . ويمكن أن يكون من الملائكة لقوله : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ } [ الرعد : 23 - 24 ] . ويمكن أن يكون بعضهم على بعض{[36801]} .


[36793]:وفي اللسان (غرف): الغرفة: العلية، والجمع غرفات، وغرفات، وغرفات، وغرف.
[36794]:انظر الكشاف 3/106.
[36795]:انظر البحر المحيط 6/517.
[36796]:جزء بيت من بحر البسيط، وتمامه ...............إذا ركبوا *** شنوا الإغارة فرسانا وركبانا وقد تقدم.
[36797]:انظر الفخر الرازي 24/115.
[36798]:حمزة والكسائي.
[36799]:عن عاصم.
[36800]:عد ابن مجاهد (ابن عامر) فيمن قرأ "يلقون" بفتح الياء وسكون اللام. السبعة (468)، وانظر الكشف 2/148، النشر 2/335 الإتحاف (330).
[36801]:انظر الفخر الرازي 24/116.