فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

{ أُوْلَئِكَ } إشارة إلى المتصفين بتلك الصفات المفصلة في حيز الموصولات الثمانية من حيث اتصافهم بها وفيه دليل على أنهم متميزون بذلك أكمل تميز ومنتظمون في سلك الأمور المشاهدة وهو مبتدأ وخبره ما بعده والجملة مستأنفة وقيل ذلك { يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ } أي الدرجة الرفيعة وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا ، وهي في الأصل كل بناء مرتفع والجمع غرف ، وقال الضحاك : الغرفة الجنة أي يجزون الجنة ، ووحد الغرفة لدلالتها على الجنس دليله قوله { وهم في الغرفات آمنون } .

وعن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " الغرفة من ياقوته حمراء وزبرجدة خضراء ودرة بيضاء ليس فيها فصم ولا وصم{[1331]} " أخرجه الحكيم الترمذي { بِمَا صَبَرُوا } أي بسبب صبرهم على مشاق التكليفات والطاعات ورفض الأهواء والشهوات وتحمل المجاهدات .

{ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا } بضم الياء مشددا ، واختاره أبو عبيد ، أي : يعطون ، لقوله : { ولقاهم نضرة وسرورا } وقرئ يلقون بفتح الياء مخففا ، واختاره الفراء ، ومعناه يجدون ، ويصادفون ، قال : لأن العرب تقول فلان يلقى بالسلام والتحية ، والخير ، وقلما يقولون يلقي ، والمعنى أنه يحيي بعضهم بعضا ، ويرسل إليهم الرب سبحانه بالسلام وقيل التحية البقاء الدائم ، والملك العظيم وقيل هي بمعنى السلام ، وقيل إن الملائكة تحييهم ، وتسلم عليهم ، والظاهر ان هذه التحية والسلام هي من الله سبحانه لهم ومن ذلك قوله سبحانه تحيتهم يوم يلقونه سلام . وقيل معنى التحية الدعاء لهم بطول الحياة والتعمير ومعنى السلام الدعاء لهم بالسلامة من الآفات وقيل المراد بالتحية إكرام الله تعالى لهم بالهدايا والتحف ، وبالسلام سلامه عليهم بالقول .


[1331]:ضعيف الجامع الصغير 3929.