السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

ولما بين تعالى صفات المتقين المخلصين بين بعده إحسانه إليهم بقوله تعالى :

{ أولئك } أي : العالو الرتبة العظيمة العظيمو المنزلة { يجزون } أي : فضلاً من الله تعالى على ما وفقهم له من هذه الأعمال الزاكية والأحوال الصافية { الغرفة } أي : الغرفات وهي العلالي في الجنة فوحد اقتصاراً على الواحد الدال على الجنس والدليل على ذلك قوله تعالى : { وهم في الغُرفات آمنون } ( سبأ ، 37 ) ، وقيل : هي من أسماء الجنة ، ولما كانت القرب في غاية التعب لمنافاتها لشهوات النفس وهواها وطبع البدن رغب فيها بأن جعلها سبباً لهذا الجزاء بقوله تعالى : { بما صبروا } أي : أوقعوا الصبر على أمر ربهم ومرارة غربتهم بين الجاهلين في أفعالهم وأقوالهم وأحوالهم وغير ذلك من معالي خلالهم .

ولما كان المنزل لا يطيب إلا بالكرامة والسلامة . قال تعالى { ويلقون فيها } أي : الغرفة { تحية } أي : دعاء الحياة من بعضهم لبعض ومن الملائكة الذين لا يرد دعاؤهم ولا يمترى في إخبارهم ، لأنهم عن الله تعالى ينطقون وذلك على وجه الإعظام والإكرام مكان ما أهانهم عباد الشيطان وقيل : ملكاً وقيل : بقاءً دائماً { وسلاماً } أي : من الله والملائكة وغيرهم وسلامة من كل آفة مكان ما أصابوهم بالمصائب : اللهم وفقنا لطاعتك واجعلنا من أهل رحمتك وارزقنا مما رزقتهم في دار رضوانك يا أرحم الراحمين ، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف من لقي كما قال تعالى : { فسوف يلقون غيّاً } ( مريم ، 59 ) ، والباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف أي : يجعلهم الله تعالى لاقين بأيسر أمر كما قال تعالى { ولقّاهم نضرة وسروراً } ( الإنسان ، 11 ) .