معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

قوله تعالى : { الذين يجادلون في آيات الله } قال الزجاج : هذا تفسير للسرف المرتاب ، يعني : الذين يجادلون في آيات الله ، أي : في إبطالها بالتكذيب ، { بغير سلطان } حجة ، { أتاهم } من الله . { كبر مقتاً } أي : كبر ذلك الجدال مقتاً ، { عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } قرأ أبو عمرو وابن عامر { قلب } بالتنوين ، وقرأ الآخرون بالإضافة ، دليله قراءة عبد الله ابن مسعود ( على قلب كل متكبر جبار ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

ثم ذكر وصف المسرف الكذاب فقال : { الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ } التي بينت الحق من الباطل ، وصارت -من ظهورها- بمنزلة الشمس للبصر ، فهم يجادلون فيها على وضوحها ، ليدفعوها ويبطلوها { بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } أي : بغير حجة وبرهان ، وهذا وصف لازم لكل من جادل في آيات الله ، فإنه من المحال أن يجادل بسلطان ، لأن الحق لا يعارضه معارض ، فلا يمكن أن يعارض بدليل شرعي أو عقلي أصلا ، { كَبُرَ } ذلك القول المتضمن لرد الحق بالباطل { مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا } فالله أشد بغضًا لصاحبه ، لأنه تضمن التكذيب بالحق والتصديق بالباطل ونسبته إليه ، وهذه أمور يشتد بغض الله لها ولمن اتصف بها ، وكذلك عباده المؤمنون يمقتون على ذلك أشد المقت موافقة لربهم ، وهؤلاء خواص خلق الله تعالى ، فمقتهم دليل على شناعة من مقتوه ، { كَذَلِكَ } أي : كما طبع على قلوب آل فرعون{ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } متكبر في نفسه على الحق برده وعلى الخلق باحتقارهم ، جبار بكثرة ظلمه وعدوانه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

وقوله : { الذين يُجَادِلُونَ . . . } مبتدأ ، وخبره قوله - تعالى - : { كَبُرَ مَقْتاً . . } والفاعل ضمير يعود إلى الجدال المفهوم من قوله { يُجَادِلُونَ } أى : كبر جدالهم { مَقْتاً } تمييز محول عن الفاعل ، أى : عظم بغضا جدالهم عند الله وعند المؤمنين .

أى : الذين يجادلون فى آيات الله الدالة على وحدانيته ، وعلى صدق أنبيائه بغير دليل أو برهان أتاهم من الله - تعالى - عن طريق رسله ، هؤلاء الذين يفعلون ذلك ، كبر وعظم بغضا جدالهم عند الله - تعالى - وعند الذين آمنوا .

قال الجمل : وهذه الصفة - وهى الجدال بالباطل بدون برهان - موجودة فى فرعون وقومه ، ويكون الرجل المؤمن قد عدل عن مخاطبتهم إلى الاسم الغائب ، لحسن محاورته لهم ، واستجلاب قلوبهم . وأبرز ذلك فى صورة تذكرهم فلم يخصهم بالخطاب

وفى قوله : { كَبُرَ } ضرب من التعجب والاستعظام لجدالهم .

وقوله : { كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } أى : مثل ذلك الطبع العجيب ، يطبع الله - تعالى - ويختم بالكفر والعمى على قلب كل إنسان متكبر عن الاستماع للحق ، متطاول ومتجبر على خلق الله - تعالى - بالعدوان والإيذاء

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

21

ثم يشتد في مواجهتهم بمقت الله ومقت المؤمنين لمن يجادل في آيات الله بغير حجة ولا برهان . وهم يفعلون هذا في أبشع صورة . ويندد بالتكبر والتجبر ، وينذر بطمس الله لقلوب المتكبرين المتجبرين !

( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا . كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ) . .

والتعبير على لسان الرجل المؤمن يكاد يكون طبق الأصل من التعبير المباشر في مطالع السورة . المقت للمجادلين في آيات الله بغير برهان ، والإضلال للمتكبرين المتجبرين حتى ما يبقى في قلوبهم موضع للهدى ، ولا منفذ للإدراك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

{ والذين يجادلون في آيات الله } بدل من الموصول الأول لأنه بمعنى الجمع . { بغير سلطان أتاهم } بغير حجة بل إما بتقليد أو بشبهة داحضة . { كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا } فيه ضمير من وإفراده للفظ ، ويجوز أن يكون " الذين آمنوا " مبتدأ وخبره { كبر } على حذف مضاف أي : وجدال الذين يجادلون كبر مقتا أو بغير سلطان وفاعل { كبر } { كذلك } أي كبر مقتا مثل ذلك الجدال فيكون قوله : { يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } استئنافا للدلالة على الموجب لجدالهم . وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان قلب بالتنوين على وصفه بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما كقولهم : رأت عيني وسمعت أذني ، أو على حذف مضاف أي على كل ذي قلب متكبر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

ثم أنحى لهم على قوم صفتهم موجودة في قوم فرعون ، فكأنه أرادهم فزال عن مخاطبتهم حسن أدب واستجلاباً ، فقال { الذين يجادلون في آيات الله } .

أي بالإبطال لها والرد بغير برهان ولا حجة أتتهم من عند الله كبر مقت جدالهم عند الله ، فاختصر ذكر الجدال لدلالة تقدم ذكره عليه ، ورد الفاعل ب { كبر } نصيباً على التمييز كقولك : تفقأت شحماً{[10001]} وتصببت عرقاً . و : { يطبع } معناه . يختم بالضلال ويحجب عن الهدى .

وقرأ أبو عمرو وحده الأعرج بخلاف عنه «على كلِّ قلب » بالتنوين «متكبراً » على الصفة . وقرأ الباقون : «على كلِّ قلبِ » بغير تنوين وبإضافته إلى «متكبرٍ » . قال أبو علي : المعنى يطبع الله على القلوب إذ كانت قلباً قلباً من كل متكبر ، ويؤكد ذلك أن في مصحف عبد الله بن مسعود : «على قلب كل متكبر جبار »{[10002]} .

قال القاضي أبو محمد : ويتجه أن يكون المراد عموم قلب المتكبر الجبار بالطبع أي لا ذرة فيه من إيمان ولا مقاربة فهي عبارة عن شدة إظلامه .


[10001]:معناها أن الجسم تشقق فخرج منه الشحم، (وتفقأ) مطاوع (فقأ).
[10002]:وكأن تقدير الكلام: يطبع الله على كل قلب كل متكبر جبار، فحذفت (كل) الثانية لتقدم ما يدل عليها، ولو لم نقدرها لصار المعنى إلى ما ذكره ابن عطية بعد ذلك من أنه يتجه أن يراد عموم القلب المتكبر بالطبع، بمعنى أن الله يطبع على كل قلب فلا يبقى فيه جزء بدون طبع.