السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

ثم بين تعالى ما لأجله بقوا في الشك والإسراف فقال سبحانه : { الذين يجادلون } وهو مبتدأ أي : يخاصمون خصاماً شديداً { في آيات الله } أي : المحيط بأوصاف الكمال لاسيما الآيات الدالة على يوم التناد فإنها أظهر الآيات ، وكذا الآيات الدالة على وجوده سبحانه وتعالى وعلى ما هو عليه من الصفات والأفعال وما يجوز عليه أو يستحيل { بغير سلطان } أي : برهان { أتاهم } وقوله : { كبر } أي : جدالهم { مقتاً } خبر المبتدأ ويجوز في الذين أوجه أيضاً منها : أنه بدل من قوله تعالى : { من هو مسرف } وإنما جمع اعتباراً بمعنى من ، ومنها : أن يكون بياناً له ، ومنها : أن يكون صفة له وجمع على معنى من أيضاً ، ومنها أن ينصب بإضمار أعني ، وقال الزجاج قوله : { الذين يجادلون } تفسير لمسرف مرتاب يعني هم الذين يجادلون في آيات الله أي : في إبطالها بالتكذيب بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً { عند الله } أي : الملك الأعظم { و } كبر مقتاً أيضاً { عند الذين آمنوا } أي : الذين هم خاصته ، ودلت الآية على أنه يجوز وصفه تعالى بأنه مقت بعض عباده إلا أنها صفة واجبة التأويل في حق الله تعالى كالغضب والحياء والعجب وقوله تعالى : { كذلك } أي : ومثل هذا الطبع العظيم { يطبع الله } أي : الذي له جميع العظمة يدل على أن الكل من عند الله كما هو مذهب أهل السنة { على كل قلب متكبر } أي : متكلف ما ليس له وليس لأحد غير الله { جبار } أي : ظاهر الكبر قويه قهار .

وقال مقاتل : الفرق بين المتكبر والجبار أن المتكبر عن قبول التوحيد والجبار في غير الحق ، قال الرازي : كما أن السعادة في أمرين التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله ، فعلى قول مقاتل المتكبر كالمضاد للتعظيم لأمر الله والجبار كالمضاد للشفقة على خلق الله ، وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان : بتنوين الباء الموحدة ، ووصف القلب بالتكبر والتجبر لأنه منبعهما كقولهم : رأت عيني وسمعت أذني أو على حذف مضاف أي : على كل ذي قلب متكبر جبار فهي حينئذ مساوية لقراءة الباقين بغير تنوين .