فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

والموصول في قوله : { الذين يجادلون في ءايات الله } بدل من " من " ، والجمع باعتبار معناها ، أو بيان لها ، أو صفة ، أو في محل نصب بإضمار أعني ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الذين ، أو مبتدأ ، وخبره يطبع ، و{ بِغَيْرِ سلطان } متعلق بيجادلون ، أي : يجادلون في آيات الله بغير حجة واضحة ، و{ ءاتاهم } صفة لسلطان { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله وَعِندَ الذين ءامَنُواْ } يحتمل أن يراد به التعجب ، وأن يراد به الذمّ كبئس ، وفاعل كبر ضمير يعود إلى الجدال المفهوم من يجادلون . وقيل : فاعله ضمير يعود إلى من في { مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } ، والأوّل أولى . وقوله : { عَندَ الله } متعلق بكبر ، وكذلك { عِندَ الذين آمَنُواْ } قيل هذا من كلام الرجل المؤمن . وقيل : ابتداء كلام من الله سبحانه { كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ } أي كما طبع على قلوب هؤلاء المجادلين ، فكذلك يطبع أي يختم على كلّ قلب متكبر جبار . قرأ الجمهور بإضافة قلب إلى متكبر ، واختار هذه القراءة أبو حاتم ، وأبو عبيد ، وفي الكلام حذف ، وتقديره : كذلك يطبع الله على كلّ قلب كل متكبر ، فحذف كلّ الثانية لدلالة الأولى عليها ، والمعنى : أنه سبحانه يطبع على قلوب جميع المتكبرين الجبارين ، وقرأ أبو عمرو ، وابن محيصن ، وابن ذكوان عن أهل الشام بتنوين قلب على أن متكبر صفة له ، فيكون القلب مراداً به الجملة ، لأن القلب هو محل التكبر ، وسائر الأعضاء تبع له في ذلك ، وقرأ ابن مسعود على قلب كلّ متكبر .

/خ40