تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ} (35)

الآية 35 وقوله تعالى : { الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } أي يجادلون في دفع آيات الله وردّها بغير حجة وسلطان أتاهم من الله أو بغير حجة مكّن لهم الاحتجاج بها ، وإلا كان أهل الإيمان قد يجادلون فيها حتى إذا ظهرت أنها آيات آمنوا بها ، وأقرّوا بها .

لكن الوجه فيه ما ذكرنا : أي جادلوا في دفع آيات الله وردّها بغير حجة أتاهم كقوله تعالى : { وجادلوا بالباطل ليُدحِضوا به الحق } [ غافر : 5 ] والله أعلم .

وقوله تعالى : { كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا } هكذا الواجب على أهل الإيمان أن يمقتوا من الأعمال ما مقتها الله تعالى ، أو يمقتوا من مقته الله من أعدائه . وعلى ذلك ذكر أن خير أعمالكم حبّ ما أحبّه وبُغض ما أبغضه الله ، أو كلام نحوه ، وشر أعمالكم حب ما أبغضه وبغض ما أحبّه الله تعالى .

وقوله تعالى : { كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } أي هكذا يطبع الله على كل قلب من جادل في دفع آيات الله وردّها بغير حجة ، أي يطبع على كل من تعوّد التكبّر والتجبّر على الآيات والرسل والله أعلم .

ثم قوله تعالى : { كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ } من هو كذا ، و{ كذلك يضل الله من هو مُسرفٌ مُرتاب } [ ونحوه كل ]{[18265]} حروف الاعتلال بيّن الله تعالى العلل التي لها لا يهديهم ، ويضلهم ، وكذلك في قوله : { لا يهدي من هو مسرف كذّاب } [ غافر : 28 ] [ وقوله ]{[18266]} { من هو مسرف مرتاب } ونحوه . أي لا يهدي من كان طبعه وعادته الإسراف والكذب وكفران النعم ودفع الآيات والحجج بلا حجة وبرهان .

فأما من كان طبعه وعادته غير هذا ، لكن لجهل جهل ذلك ، أو لما يتحقق عنده لظنه وقلة التأمّل ولاشتغاله بأمور الدنيا ، أو لمعنى من المعاني ، يجوز أي يهديه الله تعالى ، ويرشده . على هذا تخرّج هذه الآيات ، والله أعلم .

وعلى ذلك ما كان من فرعون اللعين من التمويهات والتلبيسات على أتباعه في أمر موسى عليه السلام بعد معرفته أن ذلك ليس لقدح في الآيات والحجج التي أتاهم موسى عليه السلام [ ولكن ]{[18267]} أراد أن يموّه ، ويلبس على قومه . فكل من كانت عادته وطبيعته ما ذكرنا من التمويه والتلبيس والمجادلة في دفع الآيات بلا حجة والتكبّر عليها ، فلا يهديه الله تعالى ، ويطبع على قلبه ، والله أعلم .


[18265]:في الأصل وم: ونحو كله.
[18266]:في الأصل وم: و.
[18267]:ساقطة من الأصل وم.