ثم بين تعالى ما لأجله بقوا في ذلك الشك والإسراف فقال : { الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان } أي بغير حجة ، بل إما بناء على التقليد المجرد ، وإما بناء على شبهات خسيسة { كبر مقتا عند الله } والمقت هو أن يبلغ المرء في القوم مبلغا عظيما فيمقته الله ويبغضه ويظهر خزيه وتعسه .
المسألة الأولى : في ذمة لهم بأنهم يجادلون بغير سلطان دلالة على أن الجدال بالحجة حسن وحق وفيه إبطال للتقليد .
المسألة الثانية : قال القاضي مقت الله إياهم يدل على أن فعلهم ليس بخلق الله لأن كونه فاعلا للفعل وماقتا له محال .
المسألة الثالثة : الآية تدل على أنه يجوز وصف الله تعالى بأنه قد يمقت بعض عباده إلا أن ذلك صفة واجبة التأويل في حق الله كالغضب والحياء والتعجب ، والله أعلم . ثم بين أن هذا المقت كما حصل عند الله فكذلك قد حصل عند الذين آمنوا .
ثم قال : { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن عامر وأبو عمرون وقتيبة عن الكسائي { قلب } منونا { متكبر } صفة للقلب والباقون بغير تنوين على إضافة القلب إلى المتكبر قال أبو عبيد الاختيار الإضافة لوجوه : ( الأول ) أن عبد الله قرأ { على كل قلب متكبر } وهو شاهد لهذه القراءة ، ( الثاني ) أن وصف الإنسان بالتكبر والجبروت أولى من وصف القلب بهما ، وأما الذين قرأوا بالتنوين فقالوا إن الكبر قد أضيف إلى القلب في قوله { إن في صدورهم إلا كبر } وقال تعالى : { فإنه آثم قلبه } وأيضا فيمكن أن يكون ذلك على حذف المضاف أي على كل ذي قلب متكبر ، وأيضا قال قوم الإنسان الحقيقي هو القلب وهذا البحث طويل وقد ذكرناه في تفسير قوله { نزل به الروح الأمين * على قلبك } قالوا ومن أضاف ، فلا بد له من تقدير حذف ، والتقدير يطبع الله على قلب كل متكبر .
المسألة الثانية : الكلام في الطبع والرين والقسوة والغشاوة قد سبق في هذا الكتاب بالاستقصاء ، وأصحابنا يقولون قوله { كذلك يطبع الله } يدل على أن الكل من الله والمعتزلة يقولون إن قوله { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } يدل على أن هذا الطبع إنما حصل من الله لأنه كان في نفسه متكبرا جبارا وعند هذا تصير الآية حجة لكل واحد من هذين الفريقين من وجه ، وعليه من وجه آخر ، والقول الذي يخرج عليه الوجهان ما ذهبنا إليه وهو أنه تعالى يخلق دواعي الكبر والرياسة في القلب ، فتصير تلك الدواعي مانعة من حصول ما يدعون إلى الطاعة والانقياد لأمر الله ، فيكون القول بالقضاء والقدر حيا ويكون تعليل الصد عن الدين بكونه متجبرا متكبرا باقيا ، فثبت أن هذا المذهب الذي اخترناه في القضاء والقدر هو الذي ينطبق لفظ القرآن من أوله إلى آخره عليه .
المسألة الثالثة : لا بد من بيان الفرق بين المتكبر والجبار ، قال مقاتل { متكبر } عن قبول التوحيد { جبار } في غير حق ، وأقول كمال السعادة في أمرين التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله فعلى قول مقاتل التكبر كالمضاد للتعظيم لأمر الله والجبروت كالمضاد للشفقة على خلق الله ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.