وقوله - سبحانه - : { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ } زيادة فى تأكيد أن علم ما سينزل بهم من عقاب مرده إلى الله - تعالى - وحده .
أى : وإنى - أيضا - ما أدرى ، لعل تأخير عقابكم - بعد أن أعرضتم عن دعوتى - من باب الامتحان والاختبار لكم ، أو من باب الاستدراج لكم إلى حين مقدر عنده - سبحانه - ، ثم يأخذكم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر .
وفى إسناد علم ما سينزل بهم إلى الله - تعالى - وحده ، تخويف لهم أى : تخويف ، وأدب ليس بعده أدب من النبى - صلى الله عليه وسلم - مع الله - عز وجل -
( وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) . .
وما أدري ما يريد الله بهذا التأخير . فلعله يريد أن يكون فتنة لكم وابتلاء ، فيمتعكم إلى أجل ، ثم يأخذكم أخذ عزيز مقتدر .
وبهذا التجهيل يلمس قلوبهم لمسة قوية ، ويدعهم يتوقعون كل احتمال ، ويتوجسون خيفة من المفاجأة التي تأخذهم بغتة . وتوقظ قلوبهم من غفلة المتاع فلعل وراءه الفتنة والبلاء . وتوقع العذاب على غير موعد مضروب كفيل بأن يترك النفس متوجسة ، والأعصاب متوفزة ، ترتقب في كل لحظة أن يرفع الستار المسدل ، عن الغيب المخبوء .
وإن القلب البشري ليغفل عما ينتظره من غيب الله ، وإن المتاع ليخدع ، فينسى الإنسان أن وراء الستار المسدل ما وراءه مما لا يدريه ولا يكشف عنه إلا الله في موعده المغيب المجهول .
فهذا الإنذار يرد القلوب إلى اليقظة ، ويعذر إليها بين يدي الله قبل فوات الأوان .
وقوله : { وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ } أي : هو واقع لا محالة ، ولكن لا علم لي بقربه ولا ببعده ، { إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } أي : إن الله يعلم الغيب جميعَه ، ويعلم ما يظهره العباد وما يسرون ، يعلم الظواهر والضمائر ، ويعلم السر وأخفى ، ويعلم ما العباد عاملون في أجهارهم وأسرارهم ، وسيجزيهم على ذلك ، على القليل والجليل .
وقوله : { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } أي : وما أدري لعل هذا فتنة لكم ومتاع إلى حين .
قال ابن جرير : لعل تأخير ذلك{[19954]} عنكم فتنة لكم ، ومتاع إلى أجل مسمى{[19955]} . وحكاه عون ، عن ابن عباس ، والله أعلم .
وقرأ يحيى بن عامر " وإن أدريَ لعله " " وإن أدريَ أقريب " بفتح الياء فيهما وأنكر ابن مجاهد فتح هذه الياء ووجهه أبو الفتح{[8286]} ، قوله { لعله } الضمير فيه عائد على الإملاء لهم وصفح الله تعالى عن عذابهم وتمادي النعمة عليهم ، و { فتنة } معناه امتحان وابتلاء ، و «المتاع » ، ما يستمتع به مدة الحياة الدنيا .
عطف على جملة { وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون } [ الأنبياء : 109 ] . والضمير الذي هو اسم ( لعلّ ) عائد إلى ما يدل عليه قوله تعالى : { أقريب أم بعيد ما توعدون } من أنه أمر منتظر الوقوع وأنه تأخر عن وجود موجِبه ، والتقدير : لعل تأخيره فتنة لكم ، أو لعل تأخير ما توعدون فتنة لكم ، أي ما أدرى حكمة هذا التأخير فلعله فتنة لكم أرادها الله ليملي لكم إذ بتأخير الوعد يزدادون في التكذيب والتولّي وذلك فتنة .
والفتنة : اختلال الأحوال المفضي إلى ما فيه مضرة .
والمتاع : ما ينتفع به مدة قليلة ، كما تقدم في قوله تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل } في [ سورة آل عمران : 196197 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{و} قل لهم: يا محمد، {وإن أدري} يقول: ما أدري {لعله} يعني: فلعل تأخير العذاب عنكم في الدنيا... {فتنة لكم}... فيقولون: لو كان حقا لنزل بنا العذاب {ومتاع إلى حين} يعني: وبلاغا إلى آجالكم، ثم ينزل بكم العذاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فإن أخّر عنكم عقابه على ما تخفون من الشرك به أو تجهرون به، فما أدري ما السبب الذي من أجله يؤخّر ذلك عنكم؟ لعلّ تأخيره ذلك عنكم مع وعده إياكم لفتنة يريدها بكم، ولتتمتعوا بحياتكم إلى أجل قد جعله لكم تبلغونه، ثم ينزل بكم حينئذٍ نقمته.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ذكر: أنه ما يدري {لعله فتنة لكم} ولم يبين ما الذي يكون فتنة لهم. لكن بعض أهل التأويل قال: ما أدري ما قلت لكم من العذاب والساعة لمدكم ومتاع لكم إلى حين. فيصير ما قربت لكم من العذاب والساعة فتنة لكم، فيقولون: لو كان ما خوفنا به محمد حقا لكان نزل بعد، فيصير قولي ذلك فتنة لكم. هذا محتمل. ويحتمل وجها آخر، وهو لما قال: {إن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون} أنه كان خوفهم نزول العذاب بهم، ولكن لم يبين لهم الوقت أنه متى ينزل بهم؟ فيقول: ما أدري لعل تخويفي إياكم العذاب على بيان وقته فتنة لكم، لأنه إذا تأخر عنهم العذاب متاعا لهم يأمنون منه، فيحملهم ذلك على تكذيبه في ما خوفهم من العذاب، ويكون يأمنون من العذاب متاعا لهم، لأنه لو كان وقت العذاب مبينا لهم لكانوا أبدا على خوف، فينغص ذلك الخوف عيشهم ويمنعهم عن المتاع...
فيقول: ما أدري لعل تخويفي إياكم لكم فتنة. إذن لا يجب أن يفسر قوله: {فتنة لكم} لأن أي شيء أراد هم قد عرفوا ما أراد به. وليس لنا أن نفسر ذلك أنه أراد كذا إلا ببيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ} أي لعّل تأخير العذاب عنكم، كناية عن غير مذكور {فِتْنَةٌ} اختبار {لَّكُمْ} ليرى كيف صنيعكم،وهو أعلم، {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} إلى أجل يقضي الله فيه ما شاء.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
ليس يحيط عِلْمي إلا بما يُعْلِمُني، وإعْلامُه إياي ليس باختياري، ولا هو مقصودٌ على حسب مرادي وإيثاري.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وما أدري لعلّ تأخير هذا الموعد امتحان لكم لينظر كيف تعلمون. أو تمتيع لكم {إلى حِينٍ} ليكون ذلك حجة عليكم؛ وليقع الموعد في وقت هو فيه حكمة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... {لعله} الضمير فيه عائد على الإملاء لهم وصفح الله تعالى عن عذابهم وتمادي النعمة عليهم، و {فتنة} معناه امتحان وابتلاء، و «المتاع»، ما يستمتع به مدة الحياة الدنيا.
{وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين} ففيه وجوه:... وثالثها: قال الحسن: لعل ما أنتم فيه من الدنيا بلية لكم، والفتنة البلوى والاختبار. ورابعها: لعل تأخير الجهاد فتنة لكم إذا أنتم دمتم على كفركم، لأن ما يؤدي إلى الضرر العظيم يكون فتنة، وإنما قال لا أدري لتجويز أن يؤمنوا فلا يكون تبقيتهم فتنة بل ينكشف عن نعمة ورحمة. وخامسها: أن يكون المراد وإن أدري لعل ما بينت وأعلمت وأوعدت فتنة لكم، لأنه زيادة في عذابكم إن لم تؤمنوا، لأن المعرض عن الإيمان مع البيان حالا بعد حال يكون عذابه أشد، وإذا متعه الله تعالى بالدنيا يكون ذلك كالحجة عليه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان الإمهال قد يكون نعمة، وقد يكون نقمة، قال: {وإن} أي وما {أدري} أي أيكون تأخير عذابكم نعمة لكم كما تظنون أو لا. ولما كان إلى كونه نقمة أقرب، قال معبراً عما قدرته: {لعله} أي تأخير العذاب و إبهام الوقت {فتنة لكم}... لأن حالكم حال من يتوقع منه ذلك.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وبهذا التجهيل يلمس قلوبهم لمسة قوية، ويدعهم يتوقعون كل احتمال، ويتوجسون خيفة من المفاجأة التي تأخذهم بغتة. وتوقظ قلوبهم من غفلة المتاع فلعل وراءه الفتنة والبلاء. وتوقع العذاب على غير موعد مضروب كفيل بأن يترك النفس متوجسة، والأعصاب متوفزة، ترتقب في كل لحظة أن يرفع الستار المسدل، عن الغيب المخبوء. وإن القلب البشري ليغفل عما ينتظره من غيب الله، وإن المتاع ليخدع، فينسى الإنسان أن وراء الستار المسدل ما وراءه مما لا يدريه ولا يكشف عنه إلا الله في موعده المغيب المجهول. فهذا الإنذار يرد القلوب إلى اليقظة، ويعذر إليها بين يدي الله قبل فوات الأوان.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ} فقد يريد الله أن يمتحنكم ويختبركم ويفتنكم، في ما أرادني أن أبلغكم إياه ليظهر ما في نفوسكم من مشاعر ومواقف إزاء الدعوة إلى الله.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
لقد أوضحت الآية في الواقع حكمتين لتأخير العذاب الإلهي: الأُولى: مسألة الامتحان والاختبار، فإنّ الله سبحانه لا يعجّل في العذاب أبداً حتّى يمتحن الخلق بالقدر الكافي، ويُتمّ الحجّة عليهم. والثّانية: إنّ هناك أفراداً قد تمّ اختبارهم وحقّت عليهم كلمة العذاب حتماً، إلاّ أنّ الله سبحانه يوسّع عليهم النعمة ليشدّد عليهم العذاب، فإذا ما غرقوا في النعمة تماماً، وغاصوا في اللذائذ، أهوى عليهم بسوط العذاب ليكون أشدّ وآلم، وليحسّوا جيداً بألم وعذاب المحرومين والمضطهدين.