{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } وهذا اسم جنس يشمل المشارق والمغارب [ كلها ] ، فهو تعالى رب المشارق والمغارب ، وما يكون فيها من الأنوار ، وما هي مصلحة له من العالم العلوي والسفلي ، فهو رب كل شيء وخالقه ومدبره .
{ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } أي : لا معبود إلا وجهه الأعلى ، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم ، والإجلال والتكريم ، ولهذا قال : { فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا } أي : حافظا ومدبرا لأمورك كلها .
ثم أمره - سبحانه - بعد ذلك بالمداومة على ذكره ليلا ونهارا فقال : { واذكر اسم رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً . رَّبُّ المشرق والمغرب لاَ إله إِلاَّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً } .
وقوله - سبحانه - { وَتَبَتَّلْ } من التبتل ، وهو الاشتغال الدائم بعبادة الله - تعالى - ، والانقطاع لطاعته . ومنه قولهم بتل فلان الحبل ، إذا قطعه ، وارمأة بتول .
أى : منقطعة عن الزواج ، ومتفرغة لعبادة الله - تعالى -والمراد به هنا : التفرغ لما يرضى الله - تعالى - ، والاشتغال بذلك عن كل شئ سواه .
أى : ودوام - أيها الرسول الكريم - على ذكر الله - تعالى - عن طريق تسبيحه ، وتحميده وتكبيره ، وتفرغ لعبادته وطاعته تفرغا تاما ، دون أن يشغلك عن ذلك شاغل .
فربك - عز وجل - هو { رَّبُّ المشرق والمغرب } . أى : هو - سبحانه - رب جهتى الشروق والغروب للشمس .
{ لاَ إله إِلاَّ هُوَ } مستحق للعبادة والطاعة ، وما دام الأمر كذلك { فاتخذه وَكِيلاً } .
أى : فاتخذه وكيلك الذى تفوض إليه أمرك ، وتلجأ إليه فى كل أحوالك . . إذ الوكيل هو الذى توكل إليه الأمور ، ويترك له التصرف فيها .
وليس المراد بقوله - تعالى - : { واذكر اسم رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } الانقطاع التام عن الأعمال ، لأن هذا يتنافى مع قوله - تعالى - قبل ذلك : { إِنَّ لَكَ فِي النهار سَبْحَاً طَوِيلاً } وإنما المراد التنبيه إلى أنه صلى الله عليه وسلم ينبغى له أن لا يشغله السبح الطويل بالنهار ، عن طاعته - عز وجل - وعن المداومة على مراقبته وذكره .
ومما لا شك فيه أن ما كان يقوم به النبى صلى الله عليه وسلم من الاشتغال بأمر الدعوة إلى وحدانية الله - تعالى - ، ومن تعليم الناس العلم النافع ، والعمل الصالح . . كل ذلك يندرج تحت المواظبة على ذكر الله - تعالى - ، وعلى التفرغ لعبادته .
وقال - سبحانه - { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } ولم يقل تبتلا حتى يكون الفعل موافقا لمصدره ، للإِشارة إلى أن التبتل والانقطاع إلى الله يحتاجان إلى عمل اختيارى منه صلى الله عليه وسلم ، بأن يجرد نفسه عن كل ما سوى الله - تعالى - ، وبذلك يحصل التبتل الذى هو أثر للتبتيل ، بمعنى ترويض النفس وتعويدها على العبادة والطاعة .
ووصف - سبحانه - ذاته بأنه { رَّبُّ المشرق والمغرب } ، لمناسبة الأمر بذكره فى الليل والنهار ، وهما وقت ابتداء طلوع الشمس وغروبها ، فكأنه - سبحانه - يقول : داوم على طاعتى لأنى أنا رب جميع جهات الأرض ، التى فيها تشرق الشمس وتغرب .
والمراد بالمشرق والمغرب هنا جنسهما ، فهما صادقان على كل مشرق من مشارق الشمس ، التى هى ثلاثمائة وستون مشرقا - كما يقول العلماء - وعلى كل مغرب من مغاربها التى هى كذلك .
والمراد بالمشرقين والمغربين كما جاء فى سورة الرحمن : مشرق ومغرب الشتاء والصيف .
والمراد بالمشارق والمغارب كما جاء فى سورة المعارج : مشرق ومغرب كل يوم للشمس والكواكب .
ولما ذكر التبتل وهو الانقطاع عما عدا الله ، ذكر بعده ما يفيد أنه ليس هناك إلا الله ، يتجه إليه من يريد الاتجاه :
( رب المشرق والمغرب ، لا إله إلا هو ، فاتخذه وكيلا ) . .
فهو رب كل متجه . . رب المشرق والمغرب . . وهو الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو . فالانقطاع إليه هو الانقطاع للحقيقة الوحيدة في هذا الوجود ؛ والتوكل عليه هو التوكل على القوة الوحيدة في هذا الوجود . والاتكال على الله وحده هو الثمرة المباشرة للاعتقاد بوحدانيته ، وهيمنته على المشرق والمغرب ، أي على الكون كله . . والرسول الذي ينادى : قم . . لينهض بعبئه الثقيل ، في حاجة ابتداء للتبتل لله والاعتماد عليه دون سواه . فمن هنا يستمد القوة والزاد للعبء الثقيل في الطريق الطويل .
وقوله : { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } أي : هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب لا إله إلا هو ، وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل ، { فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } كما قال في الآية الأخرى : { فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [ هود : 123 ] وكقوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وآيات{[29437]} كثيرة في هذا المعنى ، فيها الأمر بإفراد العبادة والطاعة لله ، وتخصيصه بالتوكل عليه .
وقوله : رَبّ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة بالرفع على الابتداء ، إذ كان ابتداء آية بعد أخرى تامة . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بالخفض على وجه النعت ، والردّ على الهاء التي في قوله وتَبَتّلْ إلَيْهِ .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . ومعنى الكلام : ربّ المشرق والمغرب وما بينهما من العالم .
وقوله : لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول : لا ينبغي أن يُعبد إله سوى الله الذي هو ربّ المشرق والمغرب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.