الآية 9 : وقوله تعالى : { رب المشرق والمغرب } قال أبو بكر الأصم : تأويله : ملك المشرق والمغرب ؛ فحقه أن يقال : مالك المشرق والمغرب ، لأنه هو المالك على التحقيق{[22434]} .
وقال بعضهم : هو الرب ، هو المصلح ، ثم خص المشرق والمغرب بالذكر ، وإن كان هو مالكهما ومالك الخلائق أجمع ، لأن ذكر المشرق يقضي ذكر السماوات والأرضين[ وفي ذكر السماوات والأرضين ]{[22435]} ذكر أعلى العلّيّين وأسفل السافلين ، لأنه إذا نظر إلى المشرق ورأى ما تطلع في المشرق من عين الشمس ، ثم تجري في أقطار السماء ، وتقطع كل يوم مسيرة ألف عام ، ثم{ تغرب في عين حمئة }[ الكهف : 86 ] فتصير إلى أسفل السافلين ، وتجري كذلك حتى تصل إلى مطلعها ، ثم تطلع هنالك .
فدل ذلك على أن مدبر السماوات والأرضين ومنشئهما واحد ، وأن سلطانه في الأرض كسلطانه في السماء . ويعلم أن من بلغت قدرته هذا المبلغ في أن يسير عين الشمس في يوم واحد مسيرة ألف عام ما يشتد على الخلق قطع هذه المسافة في مدد كثيرة ، لا يجوز أن يعجزه شيء .
ودل[ ذلك أيضا ]{[22436]} على أن ملكه دائم ، لا ينقطع ، لأن عين الشمس تجري في كل يوم على ما سخرت ، لا تتبدل ، ولا تتغير ، باختلاف الأزمنة والأوقات ، وجعل منافع أهل الأرض متصلة بمنافع السماء .
ولو لم يكن مدبرهما واحدا لارتفع الاتصال ، وانقطعت منافع السماء عن أهل الأرض .
فكان في ذكر المشرق والمغرب دلالة/ 606 – ب/ وحدانيته تعالى وإظهار قوته وسلطانه والوقوف على عجائب حكمته ولطائف تدبيره .
ثم تخصيص ذكر المشرق والمغرب دون السماء والأرض ، هو ، والله أعلم ، لأن هذا أوصل إلى معرفة التوحيد وأسرع إلى الإدراك من ذكر السماوات والأرض ، وإن كان في التدبير في أمر السماء والأرض تحقيق[ ذلك ]{[22437]} وفي قوله عز وجل : { ربّ المشرق والمغرب } أي الذي أمرت بذكره ، هو : { ربّ المشرق والمغرب } .
وفيه تعريف الوجه الذي يصل إلى معرفة ربوبيته .
[ وقوله تعالى ]{[22438]} : { لا إله إلا هو } أي لا معبود يستحق العبادة إلا هو ، لأن الذي يحمل الإنسان على عبادة المعبود الخوف والرجاء . وإذا عرفهم بذكر المشرق والمغرب أن تدبير الخلائق كلها راجع{[22439]} إليه ، وأنه هو القاهر عليهم والقادر عليهم ، وبيده الخزائن والمنافع أجمع ، علموا أنه هو الإله الحق والرب القاهر ، وأن من سواه مربوب مقهور ، لا يملك نفعا ولا ضرا ، فكيف يستوجب العبادة والإلهية ؟ .
وقوله تعالى : { فاتخذه وكيلا } فجائز أن يكون أراد أن كل أمورك ، كلها إلى الله تعالى ، حتى يكون هو الذي يدبر ، ويحكم ، ولا ترى لنفسك فيها تدبيرا .
والوكيل في الشاهد ، هو الذي يدخل في[ أمر ]{[22440]} آخر على جهة التبرع لينصره فيه ، ويعينه ، فيكون قوله تعالى : { فاتخذه وكيلا } أي اطلب من عنده النصر والمعونة . والمرء في الشاهد إنما يفزع إلى الوكيل ليزيح عنه علله ، ويقضي عنه حوائجه ، ويقوم عنه في النوائب ؛ والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.