ولما كان الواجب على كل أحد شكر المنعم بين سبحانه الذي أنعم بسكن الليل الذي أمرنا بالتهجد فيه ومنتشر النهار الذي أمر بالسبح فيه ، فقال تعالى : { رب المشرق } أي : موجد محل الأنوار التي بها ينمحي هذا الليل الذي أنت قائم فيه ، ويضيء بها الصباح ، وعند الصباح يحمد القوم السرى ، قال العلامة تقي الدين بن دقيق العيد :
كم ليلة فيك وصلنا السرى *** لا نعرف الغمض ولا نستريح
واختلف الأصحاب ماذا الذي *** يزيل من شكواهم أو يريح
فقيل تعريسهم ساعة *** وقلت بل ذكراك وهو الصحيح
{ والمغرب } أي : الذي يكون عند الليل الذي هو موضع السكون ومحل الخلوات ولذيذ المناجاة ، فلا تغرب شمس ولا قمر ولا نجم إلا بتقديره { لا إله } أي : لا معبود بحق { إلا هو } أي : ربك الذي دلت تربيته لك على مجامع العظمة وأبهى صفات الكمال والتنزه عن كل شائبة نقص ، وقرأ { رب } ابن عامر وأبو عمرو وحمزة والكسائي بكسر الباء على البدل من ربك ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما على القسم بإضمار حرف القسم ، كقولك : الله لأفعلن ، وجوابه : لا إله إلا هو ، كما تقول : لا أحد في الدار إلا زيد ، والباقون برفعها على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره لا إله إلا هو { فاتخذه } أي : خذه بجميع جهدك وذلك بإفرادك إياه بكونه { وكيلاً }أي على كل من خالفك بأن تفوض جميع أمورك إليه ، فإنه يكفيكها كلها ، فإنه المنفرد بالقدرة عليها ، ولاشيء في يد غيره فلا تهتم بشيء أصلاً .
قال البقاعي : وليس ذلك بأن يترك الإنسان كل عمل ، فإن ذلك طمع فارغ ، بل بالإجمال في طلب كل ما ندب الإنسان إلى طلبه ليكون متوكلاً في السبب لا من دون سبب ، فإنه يكون حينئذ كمن يطلب الولد من غير زوجة وهو مخالف لحكمة هذه الدار المبنية على الأسباب ، ولو لم يكن في إفراده بالوكالة إلا أنه يفارق الوكلاء بالعظمة والشرف والرفق من جميع الوجوه ، فإن وكيلك من الناس دونك وأنت تتوقع أن يكلمك كثيراً في مصالحك وربك أعظم العظماء وهو يأمرك بأن تكلمه كثيراً في مصالحك وتسأله طويلاً ، ووكيلك من الناس إذا حصل مالك سألك الأجرة وهو سبحانه يوفر مالك ويعطيك الأجر ، ووكيلك من الناس ينفق عليك من مالك وهو سبحانه يرزقك وينفق عليك من ماله . ومن تمسك بهذه الآية عاش حرًّا كريماً ومات خالصاً شريفاً ولقي الله تعالى عبداً صافياً مختاراً تقياً ، ومن شرط الموحد أن يتوجه إلى الواحد ويقبل عليه ويبذل له نفسه ويفوّض إليه أمره ويترك التدبير ويثق به ويركن إليه ويتذلل لربوبيته ويتواضع لعظمته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.