الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا} (9)

قوله : { رَّبُّ الْمَشْرِقِ } : قرأ الأخَوان وأبو بكر وابن عامر بجرِّ " ربِّ المشرق " على النعت ل " ربِّك " أو البدلِ منه أو البيانِ له . وقال الزمخشري : " وعن ابن عباس على القَسَم بإضمارِ حرفِ القسمِ كقولك : " اللَّهِ لأفعلَنَّ " ، وجوابُه { لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } كما تقول : " واللَّهِ لا أحدَ في الدار إلاَّ زيدٌ " قال الشيخ : " لعلَّ هذا التخريجَ لا يَصِحُّ عن ابن عباس ؛ لأنَّ فيه إضمارَ الجارِّ ، ولا يُجيزه البصريون إلاَّ مع لفظِ الجلالةِ المعظمةِ خاصةً ، ولأن الجملةَ المنفيَّة في جوابِ القسم إذا كانَتْ اسميةً فإنما تُنْفَى ب " ما " وحدَها ، ولا تُنْفَى ب " لا " إلاَّ الجملةُ المصدرةُ بمضارعٍ كثيراً ، أو بماضٍ في معناه قليلاً ، نحو قولِه :

رِدُوا فواللَّهِ لا ذُذْناكُمُ أبداً *** ما دام في مائنا وِرْدٌ لوُرَّادِ

والزمخشريُّ أورد ذلك على سبيلِ التجويزِ والتسليمِ ، والذي ذكره النحويُّون هو نفيُها ب " ما " كقوله :لَعَمْرُك ما سَعْدٌ بخُلَّةِ آثمٍ *** ولا نَأْنَأٍ يومَ الحِفاظِ ولا حَصِرْ

قلت : قد أطلق الشيخ جمالُ الدين بن مالك أنَّ الجملةَ المنفيَّةَ سواءً كانَتْ اسميةً أم فعلية تُتَلَقَّى ب " ما " أو " لا " أو " إنْ " بمعنى " ما " ، وهذا هو الظاهر .

وباقي السبعةِ برفعِه على الابتداءِ ، وخبرُه الجملةُ مِنْ قولِه : { لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } أو على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ ، أي : وهو رَبُّ . وهذا أحسنُ لارتباطِ الكلامِ بعضِه ببعضٍ . / وقرأ زيدُ بن عليٍّ " رَبَّ " بالنصبِ على المدحِ . وقرأ العامَّةُ " المَشْرِقِ والمغربِ " موحَّدتَيْن . وعبدُ الله وابن عباس " المشارِقِ والمغارِبِ " ويجوزُ أَنْ ينتصِبَ " ربَّ " في قراءةِ زيد مِنْ وجَهْينِ آخرَيْنِ ، أحدُهما : أنَّه بدلٌ مِنْ " اسمَ ربِّك " أو بيانٌ له ، أو نعتٌ له ، قاله أبو البقاء ، وهذا يَجِيءُ على أن الاسمَ هو المُسمَّى . والثاني : أنه منصوبٌ على الاشتغالِ بفعلٍ مقدَّرٍِ ، أي : فاتَّخِذْ ربَّ المشرِقِ فاتَّخِذْه ، وما بينهما اعتراضٌ .