{ ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه } فأدخلوه فيها . قال ابن عباس : سبعون ذراعاً بذراع الملك ، فيدخل في دبره وتخرج من منخره . وقيل : يدخل في فيه ويخرج من دبره . وقال عوف البكالي : سبعون ذراعاً ، كل ذراع سبعون باعاً ، كل باع أبعد مما بينك وبين مكة ، وكان في رحبة الكوفة . وقال سفيان : كل ذراع سبعون ذراعاً . قال الحسن : الله أعلم أي ذراع هو .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله ابن محمود ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن يزيد ، عن أبي السمح ، عن عيسى ابن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن رضاضة مثل هذه -وأشار إلى مثل الجمجمة- أرسلت من السماء إلى الأرض ، وهي مسيرة خمسمائة سنة ، لبلغت الأرض قبل الليل ، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة التي ذكرها الله في القرآن لسارت أربعين خريفاً الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها ، وعن كعب قال : لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها .
{ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } والسلسلة : اسم لمجموعة من حَلَق الحديد ، يربط بها الشخص لكى لا يهرب ، أو لكى يزاد فى إذلاله وهو المراد هنا وقوله : { ذَرْعُهَا } أى : طولها ، كما فى قوله - تعالى - : { استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ . . . } وقوله : { فَاسْلُكُوهُ } من السَّلك بمعنى الإِدخال فى الشئ ، كما فى قوله - تعالى - { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } أى : ما أدخلكم فيها .
أى : خذوا هذا الكافر ، فقيدوه ثم أعدوه للنار المحرقة . ثم اجعلوه مغلولا فى سلسلة طولها سبعين ذرعا ، بحيث تكون محيطة به إحاطة تامة . أى ألقوا به فى الجحيم وهو مكبل فى أغلاله .
و { ثم } فى كل آية جئ بها للتراخى الرتبى ، لأن كل عقوبة أشد من سابقتها . إذ إدخاله فى السلسلة الطويلة . أعظم من مطلق إلقائه فى الجحيم كما أن إلقاءه فى الجحيم ، أشد من مطلق أخذه وتقييده .
وفى هذه الآيات ما فيها من تصوير يبعث فى القلوب الخوف الشديد ، ويحملها على حسن الاستعداد لهذا اليوم . الذى لا تغنى فيه نفس عن نفس شيئا .
وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات بعض الأحاديث والآثار ، منها : ما رواه ابن أبى حاتم ، عن المنهال بن عمرو قال : إذا قال الله - عز وجل - { خُذُوهُ . . } ابتدره سبعون ألف ملك ، وإن الملك منهم ليقول هكذا - أى : ليفعل هكذا - فيلقى سبعين ألفا فى النار .
ولا يقطع هذه الرنة الحزينة المديدة إلا الأمر العلوي الجازم ، بجلاله وهوله وروعته :
( خذوه . فغلوه . ثم الجحيم صلوه . ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) . .
يا للهول الهائل ! ويا للرعب القاتل ! ويا للجلال الماثل !
كلمة تصدر من العلي الأعلى . فيتحرك الوجود كله على هذا المسكين الصغير الهزيل . ويبتدره المكلفون بالأمر من كل جانب ، كما يقول ابن أبي حاتم بإسناده عن المنهال بن عمرو : " إذا قال الله تعالى : خذوه ابتدره سبعون ألف ملك . إن الملك منهم ليقول هكذا فيلقي سبعين ألفا في النار " . . كلهم يبتدر هذه الحشرة الصغيرة المكروبة المذهولة !
فأي السبعين ألفا بلغه جعل الغل في عنقه . . !
ونكاد نسمع كيف تشويه النار وتصليه . .
( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) . .
وذراع واحدة من سلاسل النار تكفيه ! ولكن إيحاء التطويل والتهويل ينضح من وراء لفظ السبعين وصورتها .
وقوله : { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ } قال كعب الأحبار : كل حلقة منها قدر حديد الدنيا .
وقال العَوفي عن ابن عباس ، وابن جرير : بذراع الملك . وقال ابن جريج ، قال ابن عباس : { فاسلكوه } تدخل في استه ثم تخرج من فيه ، ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حين يشوى .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : يسلك في دبره حتى يخرج من منخريه ، حتى لا يقوم على رجليه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا سعيد بن يزيد ، عن أبي السمح ، عن عيسى بن هلال الصَّدَفي ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن رَصَاصة مثل هذه - وأشار إلى [ مثل ]{[29298]} جُمْجُمة - أرسلت من السماء إلى الأرض ، وهي مسيرة خمسمائة سنة ، لبلغت الأرض قبل الليل ، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة ، لسارت أربعين خريفًا الليلَ والنهارَ ، قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها " .
وأخرجه الترمذي ، عن سُوَيْد بن نصر{[29299]} عن عبد الله بن المبارك ، به{[29300]} قال : هذا حديث حسن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.