اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ} (32)

و «في سِلْسِلة » متعلق ب «اسْلُكُوه » ، و «الفاء » لا تمنع من ذلك .

و «الذِّراع » مؤنث ، ولذلك يجمع على «أفْعُل » وسقطت «التاء » من عدده .

قال الشاعر : [ الرجز ]

4851 - أرْمِي عَليْهَا وهْيَ فَرْعٌ أجْمَعُ***وهْيَ ثَلاثُ أذْرُعٍ وإصْبَعُ{[57810]}

وذكر السبعين دون غيرها من العدد ، قيل : المرادُ به التكثير ، كقوله : { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً }[ التوبة : 10 ] .

وقيل : المراد حقيقة العدد .

قال ابن عباسٍ : سبعون ذراعاً بذراع الملكِ{[57811]} .

وقال نوف البكالي : سبعون ذراعاً ، كل ذراع سبعون باعاً ، كل باع كما بينك وبين «مكّة » وكان في رحبة «الكوفة »{[57812]} .

وقال الحسنُ : الله أعلم أي ذراعٍ{[57813]} .

وزعم بعضهم أنَّ في قوله : «فِي سِلْسلَةٍ » «فاسْلُكوهُ » قلباً ، قال : لأنه نُقِلَ في التفسير أنَّ السلسلة تدخل من فيه ، وتخرج من دبره ، فهي المسلوكُ فيه لا هو المسلوكُ فيها ، والظاهر أنَّه لا يحتاج إلى ذلك ؛ لأنه روي أنها لطولها ، تجعل في عنقه ، وتلتوي عليه ، حتى تحيط به من جميع جهاته ، فهو المسلوكُ فيها لإحاطتها به .

وقال الزمخشريُّ : والمعنى في تقديم السِّلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التًّصلية ، أي : لا تسلكوه إلا في هذه السلسة ، وثم للدلالة على التفاوتِ لما بين الغلِّ والتصليةِ بالجحيم وما بينها ، وبين السلك في السلسلة ، لا على تراخي المدة .

ونازعه أبو حيان في إفادة تقديم الاختصاص كعادته ، وجوابه ما تقدم{[57814]} .

ونازعه أيضاً في أن «ثُمَّ » للدلالةِ على تراخي الرُّتْبةِ .

وقال مكيٌّ : التراخي الزماني بأن يُصلى بعد أن يسلك ، ويسلك بعد أن يُؤخذ ويغلي بمهله بين هذه الأشياء . انتهى .

وفيه نظرٌ من حيثُ إن التوعد بتوالي العذاب آكد ، وأقطع من التوعد بتغريقه .


[57810]:البيت من شواهد سيبويه 2/308، والتصريح 2/281، والخصائص 2/307، والمخصص 6/38، 14/65، 16/80، وشرح الجواليقي لأدب الكاتب (353)، والعيني 4/504، والبحر المحيط 8/134، والدر المصون 6/367.
[57811]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (20012).
[57812]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (22012) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/142) وعزاه إلى ابن المبارك وهناد في "الزهد" وعبد بن حميد وابن المنذر.
[57813]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/389).
[57814]:ينظر: الدر المصون 6/367.