مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ} (32)

ثم في سلسلة وهي حلق منتظمة كل حلقة منها في حلقة وكل شيء مستمر بعد شيء على الولاء والنظام فهو مسلسل ، وقوله : { ذرعها } معنى الذرع في اللغة التقدير بالذراع من اليد ، يقال : ذرع الثوب يذرعه ذرعا إذا قدره بذراعه ، وقوله : { سبعون ذراعا } فيه قولان : ( أحدهما ) أنه ليس الغرض التقدير بهذا المقدار بل الوصف بالطول ، كما قال : { إن تستغفر لهم سبعين مرة } يريد مرات كثيرة ( والثاني ) أنه مقدر بهذا المقدار ثم قالوا : كل ذراع سبعون باعا وكل باع أبعد مما بين مكة والكوفة ، وقال الحسن : الله أعلم بأي ذراع هو ، وقوله : { فاسلكوه } قال المبرد : يقال سلكه في الطريق ، وفي القيد وغير ذلك وأسلكته معناه أدخلته ولغة القرآن سلكته قال الله تعالى : { ما سلككم في سقر } وقال : { سلكناه في قلوب المجرمين } قال ابن عباس : تدخل السلسلة من دبره وتخرج من حلقه ، ثم يجمع بين ناصيته وقدميه ، وقال الكلبي : كما يسلك الخيط في اللؤلؤ ثم يجعل في عنقه سائرها ، وهاهنا سؤالات :

السؤال الأول : ما الفائدة في تطويل هذه السلسلة ؟ ( الجواب ) قال سويد بن أبي نجيح : بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة ، وإذا كان الجمع من الناس مقيدين بالسلسلة الواحدة كان العذاب على كل واحد منهم بذلك السبب أشد .

السؤال الثاني : سلك السلسلة فيهم معقول ، أما سلكهم في السلسلة فما معناه ؟ ( الجواب ) سلكه في السلسلة أن تلوى على جسده حتى تلتف عليه أجزاؤها وهو فيما بينها مزهق مضيق عليه لا يقدر على حركة ، وقالوا الفراء : المعنى ثم اسلكوا فيه السلسلة كما يقال : أدخلت رأسي في القلنسوة وأدخلتها في رأسي ، ويقال : الخاتم لا يدخل في إصبعي ، والإصبع هو الذي يدخل في الخاتم .

السؤال الثالث : لم قال في سلسلة فاسلكوه ، ولم يقل : فاسلكوه في سلسلة ؟ ( الجواب ) المعنى في تقديم السلسلة على السلك هو الذي ذكرناه في تقديم الجحيم على التصلية ، أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة لأنها أفظع من سائر السلاسل ( السؤال الرابع ) ذكر الأغلال والتصلية بالفاء وذكر السلك في هذه السلسلة بلفظ ثم ، فما الفرق ؟ ( الجواب ) ليس المراد من كلمة ثم تراخي المدة بل التفاوت في مراتب العذاب .