السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ} (32)

{ ثم في سلسلة } أي : عظيمة جداً ، وقوله تعالى : { ذرعها سبعون ذراعاً } يحتمل أن يكون هذا العدد حقيقة وعلى هذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : سبعون ذراعاً بذراع الملك ، فتدخل في دبره وتخرج من منخره ، وقيل : تدخل من فيه وتخرج من دبره . وقال نوف البكالي : سبعون ذراعاً كل ذراع سبعون باعاً كل باع أبعد مما بينك وبين مكة وكان في رحبة الكوفة . وقال سفيان : كل ذراع سبعون ذراعاً . وقال الحسن رضي الله عنه : الله أعلم أيّ ذراع هو ، ويحتمل أن يكون مبالغة كما قال تعالى : { إن تستغفر لهم سبعين مرة } [ التوبة : 80 ] يريد مرات كثيرة ؛ لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد .

والذي يدل على هذا ما رواه الترمذي وقال : إسناده حسن عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاً الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها وقعرها » . وعن كعب رضي الله عنه أنه قال : «لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها » . أجارنا الله تعالى ومحبينا منها وجميع المسلمين ، فأشار سبحانه إلى ضيقها على ما تحيط به من بدنه بتعبيره بالسلك فقال تعالى : { فاسلكوه } أي : أدخلوه بحيث يكون كأنه السلك ، أي : الحبل الذي يدخل في ثقب الخرزة بعسر لضيق ذلك الثقب إما بإحاطتها بعنقه أو بجميع بدنه بأنه تلف ، قال الزمخشري : والمعنى في تقديم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التصلية ، أي : لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم ، ومعنى ثم الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية وما بينهما وبين السلك في السلسلة لا على تراخى المدة ا . ه .

ولما ذكر سبحانه على الإجمال عقابه أتبعه أسبابه فقال تعالى : { إنه كان لا يؤمن بالله العظيم } .