الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ} (32)

قوله : { ذَرْعُهَا سَبْعُونَ } : في محلِّ جر صفةً ل " سِلْسِلَةٍ " و " في سِلْسِلَة " متعلِّقٌ ب " اسْلُكوه " والفاءُ لا تَمْنع من ذلك . والذِّراعُ مؤنثٌ ، ولذلك يُجْمَعُ على أفْعُل وسَقَطَتْ التاءُ مِنْ عددِه قال :

أَرْمي عليها وهي فَرْعٌ أَجْمَعُ *** وهي ثلاثُ أَذْرُعٍ وإصبعُ

وزعم بعضُم أنَّ في قولِه : " في سِلْسلة " " فاسلكوه " قلباً ، قال : لأنه نُقِلَ في التفسير أنَّ السِّلسلةَ تَدْخُل مِنْ فيه ، وتخرجُ مِنْ دُبُرِه ، فهي المَسْلُوْكة فيه ، لا هو مَسْلوكٌ فيها . والظاهرُ أنه لا يُحتاج إلى ذلك لأنه رُوي أنَّها لطولِها تُجْعَلُ في عنقِه وتَلتَوي عليه ، حتى تُحيطَ به مِنْ جميعِ جهاتِه ، فهو المَسْلوكُ فيها لإِحاطتِها به .

وقال الزمخشري : " والمعنى في تقديم السِّلسلةِ على السَّلْك مثلُه في تقديمِ الجحيمِ على التَّصْليةِ أي : لا تَسْلُكوه إلاَّ في هذه السلسلةِ و " ثُمَّ " للدلالةِ على التفاوُتِ لِما بين الغَلِّ والتَّصْليةِ بالجَحيم ، وما قبلَها ، وبينَ السَّلْكِ في السِّلسلة لا على تراخي المُدَّة " . ونازعه الشيخُ في إفادةِ التقديم الاختصاصَ كعادتِه ، وجوابُه ما تقدَّم ، ونازَعه أيضاً في أنَّ " ثُمَّ " للدلالة على تراخي الرتبة . وقال : " يمكنُ التراخي الزماني : بأَنْ يَصْلَى بعد أن يُسْلَكَ ، ويُسْلَكَ بعد أَنْ يُؤْخَذَ ويُغَلَّ بمهلةٍ بين هذه الأشياءِ " . انتهى . وفيه نظرٌ : من حيث إن التوعُّدَ بتوالي العذابِ آكَدُ وأقطعُ مِنْ التوعُّدِ بتَفْريقه .