معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

قوله تعالى : { قال } ، جبريل : { كذلك } ، قيل : معناه كما قلت يا مريم ولكن ، { قال ربك } . وقيل هكذا قال ربك ، { هو علي هين } ، أي : خلق ولد بلا أب ، { ولنجعله آيةً } ، علامة ، { للناس } ، ودلالة على قدرتنا ، { ورحمةً منا } ، ونعمة لمن تبعه على دينه ، { وكان } ذلك ، { أمراً مقضياً } ، محكوماً مفروغاً عنه لا يرد ولا يبدل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

قالَ كَذلكِ قالَ رَبّكِ هُوَ عَليّ هَيّنٌ يقول تعالى ذكره : قال لها جبريل : هكذا الأمر كما تصفين ، من أنك لم يمسسك بشر ولم تكوني بغيا ، ولكن ربك قال : هو عليّ هين : أي خَلْق الغلام الذي قلت أن أهبه لك عليّ هين لا يتعذّر عليّ خلقه وهبته لك من غير فحل يفتحلك .

وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً للنّاسِ يقول : وكي نجعل الغلام الذي نهبه لك علامة وحجة على خلقي أهبه لك . وَرَحْمَةً مِنّا يقول : ورحمة منا لك ، ولمن آمن به وصدّقه أخلقه منك وكانَ أمْرا مَقْضِيّا يقول : وكان خلقه منك أمرا قد قضاه الله ، ومضى في حكمه وسابق علمه أنه كائن منك . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني من لا أتهم ، عن وهب بن منبه وكانَ أمْرا مَقْضِيّا أي إن الله قد عزم على ذلك ، فليس منه بدّ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

جواب المَلَك معناه : أن الأمر كما قلت ، نظير قوله في قصة زكرياء : { كذلك قال ربك هو علي هين ، } وهو عدول عن إبطال مرادها من المراجعة إلى بيان هون هذا الخلق في جانب القدرة على طريقة الأسلوب الحكيم .

وفي قوله { هو علي هين } توجيه بأن ما اشتكته من توقع ضدّ قولها وطعنهم في عرضها ليس بأمر عظيم في جانب ما أراد الله من هدي الناس لرسالة عيسى عليه السلام بأن الله تعالى لا يصرفه عن إنفاذ مراده ما عسى أن يعرض من ضر في ذلك لبعض عبيده ، لأنّ مراعاة المصالح العامة تقدم على مراعاة المصالح الخاصة .

فضمير { هو علي هين } عائد إلى ما تضمنه حوارها من لحاق الضر بها كما فسرنا به قولها { ولم يَمْسَسني بَشَر ولم أكُ بَغِياً } . فبين جواب الملك إياها وبين جواب الله زكرياء اختلاف في المعنى .

والكلام في الموضعين على لسان المَلك من عند الله ، ولكنه أسند في قصة زكرياء إلى الله لأن كلام المَلك كان تبليغَ وحي عن الله جواباً من الله عن مناجاة زكرياء ، وأسند في هذه القصة إلى الملَك لأنه جواب عن خطابها إياه .

وقوله { ولنجعله } عطف على { فأرسلنا إليها روحنا } باعتبار ما في ذلك من قول الرُّوح لها { لأهب لك غلاماً زكياً ، } أي لأن هبة الغلام الزكي كرامة من الله لها ، وجعله آية للناس ورحمة كرامة للغلام ، فوقع التفات من طريقة الغيبة إلى طريقة التكلم .

وجملة { وكان أمراً مقضياً } يجوز أن تكون من قول الملك ، ويجوز أن تكون مستأنفة . وضمير { كان عائد إلى الوهْب المأخوذ من قوله لأهب لك غلاماً } .

وهذا قطع للمراجعة وإنباء بأن التخليق قد حصل في رحمها .