اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا} (21)

وتقدم الكلامُ على قوله : { قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } وهو كقوله في آل عمران { كَذَلِكَ الله يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 47 ] لا يمتنعُ عليه ما يريدُ خلقه ، ولا يحتاجُ في إنشائه إلى الآلاتِ والموادِّ .

قوله : { ولنَجْعَلهُ } يجوز أن يكُون علَّةً ، ومُعَلَّلُهُ محذوفٌ ، تقديره : لنجعله آيةٌ للنَّاسِ فعلنا ذلك ، ويجوز أن يكون نسقاً على علةٍ محذوفةٍ ، تقديره : لنُبَيِّنَ به قدرتنا ، ولنجعله آيةً ، والضميرُ عائدٌ على الغلام ، واسم " كان " مضمرٌ فيها ، أي : وكان الغلام ، أي : خلقه وإيجاده أمراً مقضياً : أي لا بُدَّ منه .

والمرادُ ب " الآية " العلامةُ ، أي : علامة للنَّاسِ ، ودلالةً على قُدْرتنا على أنواع الخلق ؛ فإنه تعالى خلق آدم -صلوات الله عليه وسلامه- من غير ذكر ولا أنثى ، وخلق حوَّاء من ذكر بلا أنثى ، وخلق عيسى -صلوات الله عليه- من أنثى بلا ذكرٍ ، وخلق بقيَّة النَّاسِ من ذكرٍ وأنْثَى .

{ وَرَحْمَةً مِّنَّا } أي : ونعمةً لمنْ تبعه على دينه ، { وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } محكوماً مفروغاً منه ، لا يُرَدُّ ، ولا يُبَدَّلُ .