معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (24)

قوله تعالى : { الذين يبخلون } قيل : هو في محل الخفض على نعت " المختال " . وقيل : هو رفع بالابتداء وخبره فيما بعده . { ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول } أي : يعرض عن الإيمان ، { فإن الله هو الغني الحميد } قرأ أهل المدينة والشام : { فإن الله الغني } بإسقاط " هو " ، وكذلك هو في مصاحفهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (24)

القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلّ فَإِنّ اللّهَ هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ } .

يقول تعالى ذكره : والله لا يحبّ كلّ مختال فخور ، الباخلين بما أوتوا في الدنيا على اختيالهم به وفخرهم بذلك على الناس ، فهم يبخلون بإخراج حق الله الذي أوجبه عليهم فيه ، ويشِحّون به ، وهم مع بخلهم به أيضا يأمرون الناس بالبخل .

وقوله : وَمَنْ يَتَولّ فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الحَمِيدُ يقول تعالى ذكره : ومن يُدْبِرْ مُعْرِضا عن عظة الله فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ يقول تعالى ذكره : ومن يدبر معرضا عن عظة الله ، تاركا العمل بما دعاه إليه من الإنفاق في سبيله ، فرِحا بما أوتي من الدنيا مختالاً به فخورا بخيلاً ، فإن الله هو الغنيّ عن ماله ونفقته ، وعن غيره من سائر خلقه ، الحميد إلى خلقه بما أنعم به عليهم من نِعمه . واختلف أهل العربية في موضع جواب قوله : الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيأْمَرُونَ النّاس بالبُخْلِ فقال بعضهم : استغنى بالأخبار التي لأشباههم ، ولهم في القرآن ، كما قال : وَلَوْ أنّ قُرْآنا سُيّرَتْ بِهِ الجِبالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّمَ بِهِ المَوْتَى ، ولم يكن في ذا الموضع خبر والله أعلم بما ينزل ، هو كما أنزل ، أو كما أراد أن كون . وقال غيره من أهل العربية : الخبر قد جاء في الآية التي قبل هذه الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيأْمُرُونَ النّاسَ بالبُخْلِ وَمنْ يَتَولّ فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ عطف بجزاءين على جزاء ، وجعل جوابهما واحدا ، كما تقول : إن تقم وإن تحسن آتك ، لا أنه حذف الخبر .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة «فإنّ اللّهَ الغَنِيّ » بحذف هو من الكلام ، وكذلك ذلك في مصاحفهم بغير هو . وقرأته عامة قرّاء الكوفة فإنّ اللّهَ هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ بإثبات هو في القراءة ، وكذلك هو في مصاحفهم .

والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . )

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (24)

يجوز أن يكون { الذين يبخلون } ابتداء كلام على الاستئناف لأن الكلام الذي قبله ختم بالتذييل بقوله : { والله لا يحب كل مختال فخور } [ الحديد : 23 ] فيكون { الذين يبخلون } مبتدأ وخبره محذوفاً يدل عليه جواب الشرط وهو { فإن الله هو الغني الحميد } . والتقدير : فإن الله غني عنهم وحامد للمنفقين .

ويجوز أن يكون متصلاً بما قبله على طريقة التخلص فيكون { الذين يبخلون } بدلاً من { كل مختال فخور } ، أو خبراً لِمبتدأ محذوف هو ضمير { كل مختال فخور } . تقديره : هم الذين يبخلون ، وعلى هذا الاحتمال الأخير فهو من حذف المسند إليه اتّباعا للاستعمال كما سماه السكاكي ، وفيه وجوه آخر لا نطوِّل بها .

والمراد ب { الذين يبخلون } : المنافقون ، وقد وصفهم الله بمثل هذه الصلة في سورة النساء ، وأمرهم الناس بالبخل هو الذي حكاه الله عنهم بقوله : { هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا } [ المنافقون : 7 ] ، أي على المؤمنين .

وجملة { ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد } تذييل لأن { من يتولّ } يعم { الذين يبخلون } وغيرهم فإنّ { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل } أي في سبيل الله وفي النفقات الواجبه قد تولوا عن أمر الله و ( مَن ) شرطية عامة .

وجملة { فإن الله هو الغني الحميد } قائمة مقام جواب الشرط لأن مضمونها علة للجواب ، فالتقدير : ومن يتولّ فلا يضر الله شيئاً ولا يضر الفقير لأن الله غني عن مال المتولّين ، ولأن له عباداً يطيعون أمره فيحمدهم .

والغنيّ : الموصوف بالغنى ، أي عدم الاحتياج . ولما لم يذكر له متعلق كان مفيداً الغنى العام .

والحميد : وصف مبالغة ، أي كثير الحمد للمنفقين على نحو قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } [ المائدة : 54 ] الآية .

ووصفه ب { الحميد } هنا نظير وصفه ب« الشكور » وفي قوله : { إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم } [ التغابن : 17 ] ، فإن اسمه { الحميد } صالح لمعنى المحمود فيكون فعيلاً بمعنى مفعول ، وصالح لمعنى كثير الحمد ، فيكون من أمثلة المبالغة لأن الله يثيب على فعل الخير ثواباً جزيلاً ويُثني على فاعله ثناء جميلاً فكان بذلك كثير الحمد . وقد حمله على كلا المعنيين ابن يَرَّجَان الأشبيلي{[411]} في « شرحه لأسماء الله الحسنى »{[412]} ووافقه كلام ابن العربي في « أحكام القرآن » في سورة الأعراف ، وهو الحق . وقصره الغزالي في « المقصد الأسنى » على معنى « المحمود » .

وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر { فإن الله الغني الحميد } بدون ضمير فصل ، وكذلك هو مرسوم في مصحف المدينة ومصحف الشام . وقرأه الباقون { فإن الله هو الغني الحميد } بضمير فصل بعد اسم الجلالة وكذلك هو مرسوم في مصاحف مكة والبصرة والكوفة ، فهما روايتان متواترتان .

والجملة مفيدة للقصر بدون ضمير فصل لأن تعريف المسند إليه والمسند من طرق القصر ، فالقراءة بضمير الفصل تفيد تأكيد القصر .


[411]:- هو أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن الإشبيلي المتوفى سنة 536 وبرجان بموحدة في أوله مفتوحة ثم راء مشددة مفتوحة.
[412]:- هو شرح موسع بنحو الطرائق الصوفية، لم يذكره في كشف الظنون، أوله « الحمد لله الذي باسمه تفتتح المطالب، ذكره فيه مائة واثنين وثلاثين اسما مستخرجة من ألفاظ القرآن مخطوط نادر توجد منه نسخة بالمكتبة العاشورية بتونس نسخت سنة 1021.