الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (24)

قوله : { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } : قد تقدَّم مثلُ هذا في سورة النساء ، وتكلمتُ عليه بما يَكْفي ، فلا معنى لإِعادته .

قوله { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ } قرأ نافع وابن عامر " فإن الله الغنيُّ " بإسقاطِ " هو " وهو ساقطٌ في مصاحف المدينةِ والشام . والباقون بإثباتِه وهو ثابتٌ في مصاحفِهم ، فقد وافق كلٌّ مصحَفه . قال أبو علي : " مَنْ أثبت " هو " يَحْسُنْ أَنْ يكونَ فصلاً ، ولا يَحْسُنُ أن يكونَ ابتداءً ؛ لأنَّ الابتداءَ لا يَسُوغ حَذْفُه " يعني أنه تُرَجَّحُ فصليَّتُه بحذفه في القراءةِ الأخرى ، إذ لو كان مبتدأً لضَعُف حَذْفُه ، لا سيما إذا صَلَحَ ما بعده أَنْ يكونَ خبراً لِما قبله ، ألا تراك لو قلت : " إنَّ زيداً هو القائمُ " لم يَحْسُنْ حَذْفُ " هو " لصلاحيةِ " القائمُ " خبراً ل " إنَّ " : وهذا كما قالوا في الصلة : إنه يُحْذَفُ العائدُ المرفوعُ بالابتداء بشروطٍ منها : أن لا يكونَ ما بعدَه صالحاً للصلة نحو : " جاء الذي هو في الدار " أو " هو قائم أبوه " لعدمِ الدلالةِ . إلاَّ أنَّ للمنازعِ أن ينازعَ أبا عليٍ ويقول : لا ألتزم تركيب إحدى القراءتين على الأخرى ، وكم مِنْ قراءتَيْنِ تغاير معناهما كقراءتَيْ : { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } [ آل عمران : 36 ] و " وضَعَتْ " ، إلاَّ أنَّ توافُقَ القراءتَيْن في معنىً واحدٍ أَوْلى ، هذا ما لا نزاعَ فيه .