معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (33)

قوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } ، لقبض أرواحهم ، { أو يأتي أمر ربك } ، يعني : يوم القيامة ، وقيل : العذاب . { كذلك فعل الذين من قبلهم } ، أي : كفروا ، { وما ظلمهم الله } بتعذيبه إياهم ، { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون * } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (33)

القول في تأويل قوله تعالى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : هل ينتظر هؤلاء المشركون إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم ، أو يأتي أمر ربك بحشرهم لموقف القيامة . كَذلكَ فَعَلَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول جلّ ثناؤه : كما يفعل هؤلاء من انتظارهم ملائكة الله لقبض أرواحهم أو إتيان أمر الله فعل أسلافهم من الكفرة بالله لأن ذلك في كلّ مشرك بالله . وَما ظَلَمَهُمُ اللّهُ يقول جلّ ثناؤه : وما ظلمهم الله بإحلال سُخْطه ، ولكِنْ كانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بمعصيتهم ربهم وكفرهم به ، حتى استحقوا عقابه ، فعجّل لهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ أنْ تَأْتِيهُمُ المَلائِكَةُ قال : بالموت ، وقال في آية أخرى : وَلَوْ تَرَى إذْ يَتَوَفّى الّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ وهو ملك الموت وله رسل ، قال الله تعالى : أوْ يَأْتِيَ أمْرُ رَبّكَ ذاكم يوم القيامة .

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ يقول : عند الموت حين تتوفاهم ، أو يأتي أمر ربك ذلك يوم القيامة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (33)

{ ينظرون } معناه ينتظرون ، ونظر متى كانت من رؤية العين فإنما تعديها العرب ب «إلى » ، ومتى لم تتعد ب «إلى » فهو بمعنى انتظر ، كما قال امرؤ القيس :

فإنكما إن تنظراني ساعة . . . من الدهر تنفعني لدى أم جندب{[7293]}

ومنه قوله تعالى حكاية { انظرونا نقتبس من نوركم{[7294]} } [ الحديد : 13 ] وقد جاء شاذاً نظرت بمعنى الرؤية متعدياً بغير إلى كقول الشاعر :

باهرات الجمال والحسن ينظر . . . ن كما تنظر الأراك الظباء{[7295]}

وقرأ الجمهور «تأتيهم » بالتاء من فوق ، وقرأ حمزة والكسائي «يأتيهم » بالياء ، وهي قراءة يحيى بن وثاب وطلحة والأعمش ، ومعنى الكلام أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم ظالمي أنفسهم ، وقوله { أو يأتي أمر ربك } وعيد يتضمن قيام الساعة أو عذاب الدنيا ، ثم ذكر تعالى أن هذا كان فعل أسلافهم من الأمم ، أي فعوقبوا ولم يكن ذلك ظلماً لأنه لم يوضع ذلك العقاب في غير موضعه ، ولكن ظلموا أنفسهم بأن وضعوا كفرهم في جهة الله وميلهم إلى الأصنام والأوثان ، فهذا وضع الشيء في غير موضعه ، أي آذوها بنفس فعلهم ، وإن كانوا لم يقصدوا ظلمها ولا إذايتها .


[7293]:يقول مخاطبا صديقين له ـ على عادته ـ : إن انتظر تماني ساعة من الزمن تنفعني عند أم جندب، فالفعل (تنظر) هنا بمعنى (تنتظر) لأنه من النظر بالعين ولم يتعد ب(إلى)، وأم جندب: زوج الشاعر تزوجها في بني طي، وقد فضلت عليه علقمة في الشعر في قصة معروفة فطلقها، وقبل هذا هذا البيت يقول ـ و هو مطلع القصيدة: خليلي مرا بي على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب والجندب في الأصل نوع من الجراد يصر ويقفز ويطير، وجمعه جنادب، و "أم جندب". الداهية والغدر والظلم، ويقال: ركب أم جندب: غدر وظلم.
[7294]:من الآية (13) من سورة (الحديد).
[7295]:امرأة باهرة الحسن: تفوق غيرها من النساء فيه، والأراك، أو شجر المسواك: نبات شجيري، من الفصيلة الأراكية، كثير الفروع، خوار العود، متقابل الأوراق، له ثمار حمر دكناء تؤكل، ينبت في البلاد الحارة، ويوجد في صحراء مصر الجنوبية الشرقية، يشبههن وهن ينظرن بالظباء وهي تنظر إلى شجر الأراك في صورة باهرة من الجمال والحسن، والشاهد أن (نظر) هنا بمعنى الرؤية والنظر بالعين، ولم تتعد بإلى كما اعتادت العرب.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (33)

استئناف بياني ناشىء عن جملة { قد مكر الذين من قبلهم } [ سورة الرعد : 42 ] لأنّها تثير سؤال من يسأل عن إبّان حلول العذاب على هؤلاء كما حلّ بالّذين من قبلهم ، فقيل : ما ينظرون إلا أحد أمرين هما مجيء الملائكة لقبض أرواحهم فيحقّ عليهم الوعيد المتقدم ، أو أن يأتي أمرُ الله . والمراد به الاستئصال المعرّض بالتهديد في قوله : { فأتى الله بنيانهم من القواعد } [ سورة النحل : 26 ] .

والاستفهام إنكاري في معنى النّفي ، ولذلك جاء بعده الاستثناء .

{ وينظرون } هنا بمعنى الانتظار وهو النظِرة . والكلام موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم تذكيراً بتحقيق الوعيد وعدم استبطائه وتعريضاً بالمشركين بالتحذير من اغترارهم بتأخّر الوعيد وحثّاً لهم على المبادرة بالإيمان .

وإسناد الانتظار المذكور إليهم جار على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيلهم منزلة من ينتظر أحد الأمرين ، لأنّ حالهم من الإعراض عن الوعيد وعدم التفكّر في دلائل صدق الرسول صلى الله عليه وسلم مع ظهور تلك الدلائل وإفادتها التحقّق كحال من أيقن حلول أحد الأمرين به فهو يترقّب أحدهما ، كما تقول لمن لا يأخذ حِذره من العدوّ : ما تترقّب إلاّ أن تقع أسيراً . ومنه قوله تعالى : { فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم } [ سورة يونس : 102 ] وقوله تعالى : { إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } [ سورة القصص : 19 ] . وهذا قريب من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه وما هو بذلك .

وجملة { كذلك فعل الذين من قبلهم } تنظير بأحوال الأمم الماضية تحقيقاً للغرضين .

والإشارة إلى الانتظار المأخوذ من { ينظرون } المراد منه الإعراض والإبطاء ، أي كإبطائهم فعل الذين من قبلهم ، فيوشك أن يأخذهم العذاب بغتة كما أخذ الذين من قبلهم . وهذا تحذير لهم وقد رفع الله عذاب الاستئصال عن أمّة محمد عليه الصلاة والسلام ببركته ولإرادته انتشار دينه .

و { الذين من قبلهم } هم المذكورن في قوله تعالى : { قد مكر الذين من قبلهم } [ سورة الرعد : 42 ] .

وجملة { وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } معترضة بين جملة { الذين من قبلهم } [ سورة النحل : 33 ] وجملة { فأصابهم سيئات ما عملوا } .

ووجه هذا الاعتراض أن التعرّض إلى ما فعله الذين من قبلهم يشير إلى ما كان من عاقبتهم وهو استئصالهم ، فعُقب بقوله تعالى : { وما ظلمهم الله } ، أي فيما أصابهم .

ولمّا كان هذا الاعتراض مشتملاً على أنهم ظلموا أنفسهم صار تفريع { فأصابهم سيئات ما عملوا } عليه أو على ما قبله . وهو أسلوب من نظم الكلام عزيز . وتقديرُ أصله : كذلك فعل الذين من قبلهم وظلموا أنفسهم فأصابهم سيئات ما عملوا وما ظلمهم الله . ففي تغيير الأسلوب المتعارف تشويق إلى الخبر ، وتهويل له بأنه ظُلم أنفسهم ، وأن الله لم يظلمهم ، فيترقّب السامع خبراً مفظعاً وهو { فأصابهم سيئات ما عملوا } .