إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (33)

{ هَلْ يَنظُرُونَ } أي ما ينتظر كفارُ مكةَ المارُّ ذكرُهم { إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة } لقبض أرواحِهم بالعذاب ، جُعلوا منتظرين لذلك وشتان بينهم وبين انتظارِه لا لأنه يلحقهم البتةَ لحوقُ الأمر المنتظرِ بل لمباشرتهم لأسبابه الموجبةِ له المؤديةِ إليه ، فكأنهم يقصِدون إتيانَه ويترصّدون لوروده ، وقرئ بتذكير الفعل { أَوْ يَأْتِي أَمْرُ رَبّكَ } التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام إشعارٌ بأن إتيانَه لطفٌ به عليه الصلاة والسلام وإن كان عذاباً عليهم ، والمرادُ بالأمر العذابُ الدنيويُّ لا القيامةُ ، لكن لا لأن انتظارَها بجامع انتظارِ إتيان الملائكةِ فلا يلائمة العطفُ بأو لأنها ليست نصًّا في العناد إذ يجوز أن يعتبر منعُ الخلوّ ويرادَ بإيرادها كفايةُ كل واحد من الأمرين في عذابهم بل لأن قوله تعالى فيما سيأتي : { ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فأصابهم } الآية ، صريحٌ في أن المراد به ما أصابهم من العذاب الدنيوي { كذلك } أي مثلَ فعلِ هؤلاء من الشرك والظلمِ والتكذيب والاستهزاء { فَعَلَ الذين } خلَوا { مِن قَبْلِهِمُ } من الأمم { وَمَا ظَلَمَهُمُ الله } بما سيُتلى من عذابهم { ولكن كَانُواْ } بما كانوا مستمرين عليه من القبائح الموجبةِ لذلك { أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } كان الظاهرُ أن يقال : ولكن كانوا هم الظالمين كما في سورة الزخرف لكنه أوثر ما عليه النظمُ الكريم لإفادة أن غائلةَ ظلمِهم آيلةٌ إليهم وعاقبتَه مقصورةٌ عليهم مع استلزام اقتصارِ ظلمِ كل أحد على نفسه من حيث الوقوعُ اقتصارَه عليه من حيث الصدور وقد مر تحقيقُه في سورة يونس .