تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (33)

الآيات 33 و 34 و 35 وقوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك } { فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون } ( { وقال الذين أشركوا . . . . . فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } ){[1]} هذا الحرف يخرج على الإياس من إيمانهم إلا وقت قبض أرواحهم أو وقت نزول العذاب عليهم . أي لا يؤمنون إلا في هذين الوقتين ، ولا ينفعهم إيمانهم في هذين الوقتين ، لأن لإيمانهم اضطرار كقوله : { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده } ( غافر : 84 ) وكقوله { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } ( النساء : 159 ) يؤمنون عند معاينتهم بأس الله ، لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت .

يخبر أنهم ينظرون ذلك الوقت ، ويؤيس{[2]} رسوله من إيمانهم لما علم أنهم لا يؤمنون ، ليرفع عنه مُؤْنََةَ الدعاء إلى الإيمان والقتال معهم .

وقوله تعالى : { أو يأتي أمر ربك } يحتمل العذاب في الدنيا ، ويحتمل عند معاينتهم العذاب في الآخرة .

وقوله تعالى : { كذلك فعل الذين من قبلهم } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : كذلك فعل المعاندون والمكابرون والذين من قبل برسلهم من التكذيب لهم والعناد وتركهم الإيمان إلى الوقت الذي ذكر كما فعل قومك من التكذيب لك ، يا محمد ، والعناد .

والثاني {[3]} : يحتمل : { كذالك فعل الذين من قبلهم } أي هكذا أنزل العذاب بمن كان قبل قومك بتكذيبهم الرسل والعناد معهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما ظلمهم الله } بما عذبهم { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } حين{[4]} وضعوا أنفسهم في غير موضعها الذي ( وضعه الله ، وحين ){[5]} صرفوها عن عبادة من نفعهم ، وأنعم عليهم ، واستحق ذلك عليهم ، إلا من لا يملك نفعا ولا ضرا ، ولا يستحق العبادة بحال .

فهم ظلموا أنفسهم حين{[6]} صرفوها من الحكمة إلى غير الحكمة ، لا لله . وإن{[7]} الله وضعها حيث توجب الحكمة ذلك .

والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه . فهم وضعوا أنفسهم في غير موضعها . فأما الله سبحانه وتعالى فقد وضعها في المواضع التي توجب الحكمة وضعها .

وقوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك } كأنه قال : ما ينظرون للإيمان بعد الحجج السمعيات وبعد الحجج العقليات والحجج الحسيات إلا نزول الملائكة بالعذاب من الله تعالى عليهم ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أقام عليهم الحجج السمعيات والعقليات والحسيات ، فلم يؤمنوا به ، ولم يصدقوه{[8]} . فيقول : إنهم ما ينظرون إلا الحجج التي تقهرهم ، وتضطرهم . فعند ذلك يؤمنون . وهو ما ذكر من نزول العذاب بهم . أو يقول : ما ينظرون بإيمانهم إلا الوقت الذي لا ينفعهم إيمانهم ، وهو الوقت الذي تخرج أنفسهم من أيديهم . فأخبر أن إيمانهم لا ينفعهم في ذلك ( الوقت ){[9]} : { قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا } وقال ههنا : { فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } وهل هو حرف استفهام في الظاهر ؛ لكن المراد منه ( ما ){[10]} { فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } على ما قاله أهل التأويل : لما قد كان من الله من البيان : أن ليس على الرسل إلا البلاغ المبين . وكذلك قوله : { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } ( النحل : 33 ) أي ما ينظرون إلا أن تأتيهم .

وكذلك / 284 – ب / قوله : { أم للإنسان ما تمنى } ( النجم : 24 ) أم : هو حرف شك ، ومراده للإنسان ما تمنى ، وأمثاله لما سبق من الله ما يبين لهم أن ليس للإنسان ما قد ذكر : { سيقول الذين أشركوا } في سورة الأنعام ( الآية : 148 ) .

ويحتمل قولهم هذا وجوها :

أحدها : قالوا ذلك على الاستهزاء كقوله : { ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا } ( مريم : 66 ) .

والثاني : قولهم : { ولو شاء ربك ما فعلوه } ( الأنعام : 112 ) أي لو أمر أن نعبده ، ولا نعبد غيره ، لفعلنا كقوله : { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها } الآية ( الأعراف : 28 ) .

والثالث : قالوا : لو لم {[11]} يرض الله منا ذلك ( ما تركنا فعلنا ){[12]} ذلك ، وكان{[13]} أهلكنا .


[1]:- في ط ع: سمح.
[2]:- من ط ع: ويشير هذا القول إلى ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" انظر (سنن الترمذي) ج 5/199 رقم الحديث /2951/.
[3]:- من ط ع، الواو ساقطة من الأصل.
[4]:- من ط ع، في الأصل: الشكر.
[5]:- من ط ع، في الأصل: ذا.
[6]:- نفسه.
[7]:- لم تدرج مقدمة المصنف في ط م.
[8]:- في ط ع: الحق.
[9]:- في ط م: ليكون.
[10]:-في ط ع: نقصانا.
[11]:- في ط م: خاص.
[12]:- في النسخ الثلاث: يمكن.
[13]:- في ط م: التكبير.