المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (33)

{ ينظرون } معناه ينتظرون ، ونظر متى كانت من رؤية العين فإنما تعديها العرب ب «إلى » ، ومتى لم تتعد ب «إلى » فهو بمعنى انتظر ، كما قال امرؤ القيس :

فإنكما إن تنظراني ساعة . . . من الدهر تنفعني لدى أم جندب{[7293]}

ومنه قوله تعالى حكاية { انظرونا نقتبس من نوركم{[7294]} } [ الحديد : 13 ] وقد جاء شاذاً نظرت بمعنى الرؤية متعدياً بغير إلى كقول الشاعر :

باهرات الجمال والحسن ينظر . . . ن كما تنظر الأراك الظباء{[7295]}

وقرأ الجمهور «تأتيهم » بالتاء من فوق ، وقرأ حمزة والكسائي «يأتيهم » بالياء ، وهي قراءة يحيى بن وثاب وطلحة والأعمش ، ومعنى الكلام أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم ظالمي أنفسهم ، وقوله { أو يأتي أمر ربك } وعيد يتضمن قيام الساعة أو عذاب الدنيا ، ثم ذكر تعالى أن هذا كان فعل أسلافهم من الأمم ، أي فعوقبوا ولم يكن ذلك ظلماً لأنه لم يوضع ذلك العقاب في غير موضعه ، ولكن ظلموا أنفسهم بأن وضعوا كفرهم في جهة الله وميلهم إلى الأصنام والأوثان ، فهذا وضع الشيء في غير موضعه ، أي آذوها بنفس فعلهم ، وإن كانوا لم يقصدوا ظلمها ولا إذايتها .


[7293]:يقول مخاطبا صديقين له ـ على عادته ـ : إن انتظر تماني ساعة من الزمن تنفعني عند أم جندب، فالفعل (تنظر) هنا بمعنى (تنتظر) لأنه من النظر بالعين ولم يتعد ب(إلى)، وأم جندب: زوج الشاعر تزوجها في بني طي، وقد فضلت عليه علقمة في الشعر في قصة معروفة فطلقها، وقبل هذا هذا البيت يقول ـ و هو مطلع القصيدة: خليلي مرا بي على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب والجندب في الأصل نوع من الجراد يصر ويقفز ويطير، وجمعه جنادب، و "أم جندب". الداهية والغدر والظلم، ويقال: ركب أم جندب: غدر وظلم.
[7294]:من الآية (13) من سورة (الحديد).
[7295]:امرأة باهرة الحسن: تفوق غيرها من النساء فيه، والأراك، أو شجر المسواك: نبات شجيري، من الفصيلة الأراكية، كثير الفروع، خوار العود، متقابل الأوراق، له ثمار حمر دكناء تؤكل، ينبت في البلاد الحارة، ويوجد في صحراء مصر الجنوبية الشرقية، يشبههن وهن ينظرن بالظباء وهي تنظر إلى شجر الأراك في صورة باهرة من الجمال والحسن، والشاهد أن (نظر) هنا بمعنى الرؤية والنظر بالعين، ولم تتعد بإلى كما اعتادت العرب.