معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

قوله تعالى : { فأشارت } ، مريم ، { إليه } ، أي إلى عيسى عليه السلام : أن كلموه . قال ابن مسعود رضي الله عنه : لما لم يكن لها حجة وأشارت إليه ، ليكون كلامه حجةً لها . وفي القصة : لما أشارت إليه غضب القوم ، وقالوا مع ما فعلت تسخرين بنا ؟ { قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً } أي : من هو في المهد ، هو حجرها . وقيل : هو المهد بعينه وكان بمعنى : هو . وقال أبو عبيدة كان صلة ، أي : كيف نكلم صبياً في المهد . وقد يجيء كان حشواً في الكلام لا معنى له كقوله { هل كنت إلا بشراً رسولا } [ الإسراء : 93 ] أي : هل أنا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً } .

يقول تعالى ذكره : فلما قال قومها ذلك لها قالت لهم ما أمرها عيسى بقيله لهم ، ثم أشارت لهم إلى عيسى أن كلّموه ، كما :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما قالوا لها : ما كانَ أبُوكِ امْرأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمّكِ بَغِيّا قالت لهم ما أمرها الله به ، فلما أرادوها بعد ذلك على الكلام أشارت إليه ، إلى عيسى .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فأشارَتْ إلَيهِ قال : أمرتهم بكلامه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن وهب بن منبه فأشارَتْ إلَيهِ يقول : أشارت إليه أن كلّموه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله فأشارَتْ إلَيهِ أن كَلّموه .

وقوله : قالُوا كَيْفَ نُكَلّمُ مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا يقول تعالى ذكره : قال قومها لها : كيف نكلم من وُجد في المهد ؟ وكان في قوله مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا معناها التمام ، لا التي تقتضي الخبر ، وذلك شبيه المعنى بكان التي في قوله هَلْ كُنْتُ إلاّ بَشَرا رَسُولاً وإنما معنى ذلك : هل أنا إلا بشر رسول ؟ وهل وجدت أو بعثت وكما قال زهير بن أبي سُلْمَى :

زَجَرْتُ علَيْهِ حُرّةً أرْحَبِيّةً *** وَقَدْ كانَ لَوْنُ اللّيْلِ مِثْلَ الأرَنْدَجِ

بمعنى : وقد صار أو وُجد . وقيل : إنه عني بالمهد في هذا الموضع : حجر أمه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة مَنْ كانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا والمهد : الحجر .

قال أبو جعفر : وقد بيّنا معنى المهد فيما مضى بشواهده ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

التزمت مريم عليها السلام ما أمرت به من ترك الكلام ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت ب { إني نذرت للرحمن صوماً } [ مريم : 26 ] وإنما ورد انها { أشارت إليه } فيقوى بهذا القول من قال إن أمرها ب «قولي » إنما أريد به الإشارة ، ويروى أنهم لما أشارت إلى الطفل قالوا استخفافها بنا أشد علينا من زناها ، ثم قالوا لها على جهة التقرير { كيف نكلم من كان في المهد صبياً } وإنما هي في معنى هو ويحتمل أن تكون الناقصة والأظهر أنها التامة وقد قال أبو عبيدة { كان } هنا لغو{[7949]} ، وقال الزجاج والفراء { مَنْ } شرطية في قوله { من كان }{[7950]} «ع » ونظير كان هذه قول رؤية : [ الرجز ]

أبعد ان لاح بك القتير . . . والرأس قد كان له شكير

و { صبياً } إما خبر { كان } على تجوز وتخيل في كونها ناقصة ، وإما حال يعمل فيه الاستقرار المقدر في الكلام{[7951]} . وروي أن { المهد } يراد به حجر أمه قال لهم عيسى من مرقده .


[7949]:أي: زائدة، والمعنى على ذلك: "كيف نكلم صبيا في المهد"؟ وهي في هذا كقول الشاعر: فكيف إذا رأيت ديار قـــوم وجيران لنا كانوا كــرام؟
[7950]:?????
[7951]:أي أن العامل في الحال هو الاستقرار المقدر في الكلام.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

أي أشارت إليه إشارة دلّت على أنها تُحيلهم عليه ليسألوه عن قصته ، أو أشارت إلى أن يسمعوا منه الجواب عن توبيخهم إياها وقد فهموا ذلك من إشارتها .

ولما كانت إشارتها بمنزلة مراجعة كلام حكى حِوارهم الواقع عقب الإشارة بجملة القول مفصولةً غير معطوفة .

والاستفهام : إنكار ؛ أنكروا أن يكلموا من ليس من شأنه أن يتكلم ، وأنكروا أن تحيلهم على مكالمته ، أي كيف نترقب منه الجواب أو كيف نلقي عليه السؤال ، لأن الحالتين تقتضيان التكلم .

وزيادة فعل الكون في { مَن كَان في المَهدِ } للدلالة على تمكن المظروفية في المهد من هذا الذي أحيلوا على مكالمته ، وذلك مبالغة منهم في الإنكار ، وتعجب من استخفافها بهم . ففعل ( كان ) زائد للتوكيد ، ولذلك جاء بصيغة المضي لأن ( كان ) الزائدة تكون بصيغة الماضي غالباً .

وقوله { في المَهْدِ } خبر ( مَن ) الموصولة .

و { صَبِيّاً } حال من اسم الموصول .

و ( المَهْدِ ) فراش الصبي وما يمهد لوضعه .