فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

{ فأشارت } أي مريم { إليه } أي إلى عيسى أن كلموه ، وإنما اكتفت بالإشارة ولم تأمره بالنطق لأنها نذرت للرحمن صوما عن الكلام ، كما تقدم هذا على أنها كانت إذا ذاك في أيام نذرها ، وعلى تقدير أنها قد خرجت منها فيمكن أن يقال إن اقتصارها على الإشارة للمبالغة في إظهار الآية العظيمة ، وأن هذا المولود يفهم الإشارة ويقدر على العبارة .

{ قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا } هذا الاستفهام للإنكار والتعجب من إشارتها إلى ذلك المولود بأن يكلمهم ، قال أبو عبيدة : في الكلام حشو زائد والمعنى كيف نكلم صبيا في المهد .

وقال الزجاج : الأجود أن يكون { من } في معنى الشرط والجزاء والمعنى من يكون في المهد صبيا فكيف نكلمه ، ورجحه ابن الأنباري ، وقيل إن كان هنا التامة التي هي بمعني الحدوث والوجود ، ورد بأنها لو كانت تامة لاستغنت عن الخبر ، وقيل : إنها بمعنى صار .

وقيل : إنها الناقصة على بابها من دلالتها على اقتران مضمون الجملة بالزمان الماضي من غير تعرض للانقطاع ، ولذلك يعبر عنها بأنها ترادف لم يزل ، والمهد هو شيء معروف يتخذ لنوم الصبي ، ولفظ القاموس الموضع يهيأ للصبي ويوطأ ، والأرض كالمهاد ، والجمع مهود انتهى ، وقيل : هو هنا حجر الأم ؛ وقيل سرير كالمهد .

والمعنى كيف نكلم من سبيله أن ينوّم في المهد لصغره . فلما سمع عيسى كلامهم ترك الرضاع وأقبل عليهم