البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

الإشارة معروفة تكون باليد والعين والثوب والرأس والفم ، وأشار ألفه منقلبة عن ياء يقال : تشايرنا الهلال للمفاعلة . وقال كثير :

فقلت وفي الأحشاء داء مخامر *** ألا حبذا يا عز ذاك التشاير

وقيل : هموا برجمها حتى تكلم عيسى فتركوها .

{ فأشارت } أي هو الذي يجيبكم إذا ناطقتموه .

وقيل : كان المستنطق لعيسى زكريا .

ويروى أنهم لما أشارت إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها ، ثم قالوا لها على جهة الإنكار والتهكم بها أي إن من كان في المهد يُربيّ لا يكلم ، وإنما أشارت إليه لما تقدم لها من وعده أنه يجيبهم عنها ويغنيها عن الكلام .

وقيل : بوحي من الله إليها .

و { كان } قال أبو عبيدة : زائدة .

وقيل : تامّة وينتصب { صبياً } على الحال في هذين القولين ، والظاهر أنها ناقصة فتكون بمعنى صار أو تبقى على مدلولها من اقتران مضمون الجملة بالزمان الماضي ، ولا يدل ذلك على الانقطاع كما لم يدل في قوله { وكان الله غفوراً رحيماً } وفي قوله { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة } والمعنى { كان } وهو الآن على ما كان ، ولذلك عبر بعض أصحابنا عن { كان } هذه بأنها ترادف لم يزل وما ردّ به ابن الأنباري كونها زائدة من أن الزائدة لا خبر لها ، وهذه نصبت { صبيا } خبراً لها ليس بشيء لأنه إذ ذاك ينتصب على الحال ، والعامل فيها الاستقرار .

وقال الزمخشري : كان لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهو ههنا لقريبه خاصة والدال عليه معنى الكلام وأنه مسوق للتعجب ، ووجه آخر أن يكون { نكلم } حكاية حال ماضية أي كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس { صبياً } .

{ في المهد صبيا } فيما سلف من الزمان حتى نكلم هذا انتهى .

والظاهر أن { من } مفعول بنكلم .

ونقل عن الفراء والزجّاج أن { من } شرطية و { كان } في معنى يكن وجواب الشرط محذوف تقديره فكيف { نكلم } وهو قول بعيد جداً .

وعن قتادة أن { المهد } حجر أمه .

وقيل : سريره .

وقيل : المكان الذي يستقر عليه .