السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا} (29)

{ فأشارت إليه } أي : لما بالغوا في توبيخها سكتت وأشارت إلى عيسى عليه السلام أنه هو الذي يجيبكم قال ابن مسعود لما لم يكن لها حجة أشارت إليه ليكون كلامه حجة لها وعن السدي لما أشارت إليه غضبوا وقالوا سخريتها بنا أشدّ من زناها ثم { قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا } لم يبلغ سنّ هذا الكلام الذي لا يقوله إلا الأكابر العقلاء بل الأنبياء والتعبير بكان يدل على أنه عند الإشارة إليه لم يحوجهم إلا أن يكلموه بل حين سمع المحاورة ورأى الإشارة بدا منه قول خارق لعادة الرضعاء بل الصبيان روي أنه كان يرضع فلما سمع ذلك ترك الرضاعة وأقبل عليهم بوجهه واتكأ على يساره وأشار بسبابة يمينه وقيل : كلمهم ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغاً يتكلم فيه الصبيان .

تنبيه : في كان هذه أقوال أحدها : إنها زائدة وهو قول أبي عبيد أي : كيف نكلم من في المهد وصبياً على هذا نصب على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور الواقع صلة .

ثانيها : أنها تامّة بمعنى حدث ووجد والتقدير كيف نكلم من وجد صبياً ؟ وصبياً حال من الضمير في كان قال الرازي وهذا هو الأقرب .

الثالث : أنها بمعنى صار أي : كيف نكلم من صار في المهد صبياً وصبياً على هذا خبرها ، فإن قيل : كيف عرفت مريم من حال عيسى أنه يتكلم ؟ أجيب : بأنّ جبريل أو عيسى عليه السلام لما ناداها من تحتها أن لا تحزني وأمرها عند رؤية الناس بالسكوت صار ذلك كالتنبيه لها على أنّ المجيب هو عيسى عليه السلام أو لعلها عرفت ذلك بالوحي إلى زكريا أو إليها على سبيل الكرامة واختلفوا في المهد فقيل : هو حجرها لما روي أنها أخذته عليه السلام في خرقة فأتت به قومها فلما رأوها قالوا لها ما قالوا فأشارت إليه وهو في حجرها ولم يكن لها منزل بعد حتى يعد لها المهد وقيل : هو المهد بعينه والمعنى كيف نكلم صبياً سبيله أن ينام في المهد وقال وهب : أتى زكريا مريم عند مناظرتها اليهود فقال لعيسى : انطق بحجتك إن كنت أمرت بها فوصف نفسه بثمان صفات الصفة الأولى : { قال إني عبد الله } .