معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِهَا كَٰفِرِينَ} (102)

قوله تعالى : { عفا الله عنها والله غفور رحيم قد سألها قوم من قبلكم } ، كما سألت ثمود صالحاً الناقة ، وسأل قوم عيسى المائدة .

قوله تعالى : { ثم أصبحوا بها كافرين } ، فأهلكوا ، قال أبو ثعلبة الخشني : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها ) .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِهَا كَٰفِرِينَ} (102)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مّن قَبْلِكُمْ ثُمّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } . .

يقول تعالى ذكره : قد سأل الايات قوم من قبلكم : فلما آتاهموها الله ، أصبحوا بها جاحدين منكرين أن تكون دلالة على حقيقة ما احتجّ بها عليهم ، وبرهانا على صحة ما جعلت برهانا على تصحيحه ، كقوم صالح الذين سألوا الاية فلما جاءتهم الناقة آية عقروها ، وكالذين سألوا عيسى مائدة تنزل عليهم من السماء : فلما أُعْطُوها كفروا بها وما أشبه ذلك ، فحذّر الله تعالى المؤمنين بنبيه صلى الله عليه وسلم أن يسلكوا سبيل مَن قبلهم من الأمم التي هلكت بكفرهم بآيات الله لما جاءتهم عند مسألتهموها ، فقال لهم : لا تسألوا الايات ، ولا تبحثوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ، فقد سأل الايات من قبلكم قوم فلما أوتوها أصبحوا بها كافرين . كالذي :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة ، فأصبحوا بها كافرين ، فنهى الله عن ذلك .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " قَدْ سأَلهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ " قد سأل الايات قوم من قبلكم ، وذلك حين قيل له : غيّر لنا الصفا ذهبا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِهَا كَٰفِرِينَ} (102)

وقرأ عامة الناس «قد سَألها » بفتح السين ، وقرأ إبراهيم النخعي «قد سِألها » بكسر السين ، والمراد بهذه القراءة الإمالة ، وذلك على لغة من قالت ِسلت تسأل ، وحكي عن العرب هما يتساولان ، فهذا يعطي هذه اللغة هي من الواو لا من الهمزة{[4751]} فالإمالة إنما أريدت وساغ ذلك لانكسار ما قبل اللام في سلت كما جاءت الإمالة في خاف لمجيء الكسرة في خاء خفت ، ومعنى الآية أن هذه السؤالات التي هي تعنيتات وطلب شطط واقتراحات ومباحثات قد سألتها قبلكم الأمم ثم كفروا بها ، قال الطبري كقوم صالح في سؤالهم الناقة وكبني إسرائيل في سؤالهم المائدة . قال السدي : كسؤال قريش أن يجعل الله لهم الصفا ذهباً .

قال القاضي أبو محمد : وإنما يتجه في قريش مثالاً سؤالهم آية ، فلما شق لهم القمر كفروا ، وهذا المعنى إنما يقال لمن سأل النبي عليه السلام أين ناقتي ؟ وكما قال له الأعرابي ما في بطن ناقتي هذه ؟ فأما من سأله عن الحج أفي كل عام هو ؟ فلا يفسر قوله قد سألها قوم الآية بهذه الأمثلة بل بأن الأمم قديماً طلبت التعمق في الدين من أنبيائها ثم لم تف لما كلفت .


[4751]:- عبارة "البحر المحيط" في هذه النقطة هي: "وقرأ إبراهيم النخعي بكسر السين من غير همز، يعني بكسر الإمالة، وجعل الفعل من مادة (سين وواو ولام) لا من مادة (سين وهمزة ولام)، وهما لغتان ذكرهما سيبويه، ومن كلام العرب: هما يتساولان بالواو، وإمالة النخعي (سال) مثل إمالة حمزة (خاف)." وهي أوضح من عبارة ابن عطية.