معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ} (2)

قوله تعالى : { الله } قرأ أبو جعفر ، وابن عامر : الله بالرفع على الاستئناف ، وخبره فيما بعده . وقرأ الآخرون بالخفض نعتا للعزيز الحميد . وكان يعقوب إذا وصل خفض . وقال أبو عمرو : الخفض على التقديم والتأخير ، تقديره : إلى صراط الله العزيز الحميد . قوله تعالى : { الذي له ما في السموات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد * }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { اللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَوَيْلٌ لّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } .

اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والشام : اللّهُ الّذِي لَهُ ما فِي السّمَوَاتِ برفع اسم الله على الابتداء ، وتصيير قوله : الّذِي لَهُ ما فِي السّمَوَاتِ خبره . وقرأته عامّة قرّاء أهل العراق والكوفة والبصرة : اللّهِ الّذِي بخفض اسم الله على إتباع ذلك العَزِيزِ الحَمِيدِ وهما خفض .

وقد اختلف أهل العربية في تأويله إذا قرىء كذلك ، فذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقرؤه بالخفض ويقول : معناه : بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ، الذي له ما في السموات ، ويقول : هو من المؤخر الذي معناه التقديم ، ويمثله بقول القائل : مررت بالظريف عبد الله ، والكلام الذي يوضع مكان الاسم : النعت ، ثم يجعل الاسم مكان النعت ، فيتبع إعرابه إعراب النعت الذي وضع موضع الاسم كما قال بعض الشعراء :

لَوْ كُنْتَ ذَا نَبْلٍ وذَا شَرِيبِ *** ما خِفْتَ شَدّاتِ الخَبِيثِ الذّيبِ

وأما الكسائيّ فإنه كان يقول فيما ذكر عنه من خفض أراد أن يجعله كلاما واحدا وأتبع الخفض الخفْضَ ، وبالخفض كان يقرأه .

والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء معناهما واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقد يجوز أن يكون الذي قرأه بالرفع ، أراد معنى من خفض في إتباع الكلام بعضه بعضا ، ولكنه رفع لانفصاله من الاَية التي قبله ، كما قال جلّ ثناؤه : إنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأمْوَالَهُمْ . . . إلى آخر الاَية ، ثم قال : التّائِبُونَ العابِدُونَ . ومعنى قوله : اللّهُ الّذِي لَهُ ما فِي السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ الله الذي يملك جميع ما في السموات وما في الأرض يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أنزلنا إليك هذا الكتاب لتدعو عبادي إلى عبادة من هذه صفته ، ويدعوا عبادة من لا يملك لهم ولا لنفسه ضرّا ولا نفعا من الاَلهة والأوثان . ثم توعد جلّ ثناؤه من كفر به ولم يستجب لدعاء رسوله إلى ما دعاه إليه من إخلاص التوحيد له ، فقال : وَوَيْلٌ للكافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ يقول : الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم ، لمن جحد وحدانيته وعبد معه غيره ، من عذاب الله الشديد .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ} (2)

{ الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض } على قراءة نافع وابن عامر مبتدأ وخبر ، أو { الله } خبر مبتدأ محذوف والذي صفته وعلى قراءة الباقين عطف بيان ل { العزيز } لأنه كالعلم لاختصاصه بالمعبود على الحق . { وويل للكافرين من عذاب شديد } وعيد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور ، والويل نقيض الوأل وهو النجاة ، وأصله النصب لأنه مصدر إلا أنه لم يشتق منه فعل لكنه رفع لإفادة الثبات .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ} (2)

{ الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض }

قرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر برفع اسم الجلالة على أنه خبر عن مبتدإ محذوف . والتقدير : هو ( أي العزيزُ الحميد ) اللّهُ الموصوف بالذي له ما في السماوات الأرض . وهذا الحذف جارٍ على حذف المسند إليه المسمى عند علماء المعاني تبعاً للسكاكِي بالحَذف لمتابعة الاستعمال ، أي استعمال العرب عندما يجري ذكر موصوف بصفات أن ينتقلوا من ذلك إلى الإخبار عنه بما هو أعظم مما تقدم ذكره ليكسب ذلك الانتقال تقريراً للغرض ، كقول إبراهيم الصولي :

سأشكر عَمْراً إن تراختْ منيتـــي *** أيــاديَ لم تُمْنَنْ وإنْ هيَ جَلّت

فَتى غيرُ محجوب الغنى عن صديقه *** ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت

أي هو فتى من صفته كيت وكيت .

وقرأه الباقون إلاّ رُويْساً عن يعقوب بالجَرّ على البدلية من { العزيز الحميد } ، وهي طريقة عربية . ومآل القراءتين واحد وكلتا الطريقتين تفيد أن المنتقل إليه أجدر بالذكر عقب ما تقدمه ، فإن اسم الجلالة أعظم من بقية الصفات لأنه عَلَم الذات الذي لا يشاركه موجود في إطلاقه ولا في معناه الأصلي المنقول منه إلى العلمية إلا أن الرفع أقوى وأفخم .

وقرأه رُوَيْس عن يعقوب بالرفع إذا وقف على قوله : { الحميد } وابتدىء باسم { الله } ، فإذا وصل { الحميد } باسم { الله } جر اسم الجلالة على البدلية .

وإجراء الوصف بالموصول على اسم الجلالة لزيادة التفخيم لا للتعريف ، لأن ملك سائر الموجودات صفة عظيمة والله معروف بها عند المخاطبين . وفيه تعريض بأن صراط غير الله من طرق آلهتهم ليس بواصل إلى المقصود لنقصان ذويه . وفي ذكر هذه الصلة إدماجُ تعريض بالمشركين الذين عبدوا ما ليس له السماوات والأرض .

{ وويل للكافرين من عذاب شديد }

لمّا أفاد قوله : { إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السموات وما في الأرض } تعريضاً بالمشركين الذين اتبعوا صراط غير الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض عطف الكلام إلى تهديدهم وإنذارهم بقوله : { وويل للكافرين من عذاب شديد } ، أي للمشركين به آلهة أخرى .

وجملة { وويل للكافرين } إنشاء دعاء عليهم في مقام الغضب والذم ، مثل قولهم : ويحك ، فعطفه من عطف الإنشاء على الخبر .

{ وويل } مصدر لا يعرف له فعل ، ومعناه الهلاك وما يقرب منه من سوء الحالة ، ولأنه لا يُعرف له فعل كان اسم مصدر وعومل معاملة المصادر ، ينصب على المفعولية المطلقة ويرفع لإفادة الثبات ، كما تقدم في رفع { الحمد لله } في سورة الفاتحة . ويقال : ويل لك وويلك ، بالإضافة . ويقال : يا ويلك ، بالنداء . وقد يذكر بعد هذا التركيب سببه فيؤتى به مجروراً بحرف { مِن } الابتدائية كما في قوله هنا { من عذاب شديد } ، أي هلاكاً ينجر لهم من العذاب الشديد الذي يلاقونه وهو عذاب النار .

وتقدم الويل عند قوله تعالى : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } في سورة البقرة ( 79 ) .

والكافرون هم المعهودون وهم الذين لم يخرجوا من الظلمات إلى النور ، ولا اتبعوا صراط العزيز الحميد ، ولا انتفعوا بالكتاب الذي أنزل لإخراجهم من الظلمات إلى النور .