قوله تعالى : { وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم } ، قال الفراء : العلة الجالبة لهذه الواو أن الله تعالى أخبرهم أن آل فرعون كانوا يعذبونهم بأنواع العذاب غير التذبيح ، وبالتذبيح ، وحيث طرح الواو في يذبحون ويقتلون أراد تفسير العذاب الذي كانوا يسومونهم ، { ويستحيون نساءكم } ، يتركونهن أحياء { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم * }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ وَيُذَبّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلآءٌ مّن رّبّكُمْ عَظِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد إذ قال موسى بن عمران لقومه من بني إسرائيل : اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ التي أنعم بها عليكم إذْ أنجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يقول : حين أنجاكم من أهل دين فرعون وطاعته . يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ : أي يذيقونكم شديد العذاب . ويُذَبّحُونَ أبْناءَكُمْ وأدخلت الواو في هذا الموضع لأنه أريد بقوله : وَيُذَبّحُونَ أبْناءَكُمْ الخبر عن أنّ آل فرعون كانوا يعذّبون بني إسرائيل بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح . وأما في موضع آخر من القرآن ، فإنه جاء بغير الواو : يَسُومُونُكُمْ سُوءَ العَذَابِ يُذَبّحُونَ أبْناءَكُمْ في موضع وفي موضع : يُقَتّلُونَ أبْناءَكُمْ ، ولم تدخل الواو في المواضع التي لم تدخل فيها لأنه أريد بقوله : يُذَبّحُونَ وبقوله : يُقَتلُونَ تبيينه صفات العذاب الذي كانوا يسومونهم ، وكذلك العمل في كل جملة أريد تفصيلها فبغير الواو تفصيلها ، وإذا أريد العطف عليها بغيرها وغير تفصيلها فالواو .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، في قوله : وَإذْ قالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ : أيادي الله عندكم وأيامه .
وقوله : وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يقول : ويبقون نساءكم فيتركون قتلهنّ وذلك استحياؤهم كان إياهنّ . وقد بيّنا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، ومعناه : يتركونهم ، والحياة : هي الترك . ومنه الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «اقْتُلُوا شُيُوخَ المُشْرِكِينَ وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ » بمعنى : استبقوهم فلا تقتلوهم . وفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبّكُمْ عَظِيمٌ يقول تعالى : وفيما يصنع بكم آل فرعون من أنواع العذاب بلاء لكم من ربكم عظيم : أي ابتلاء واختبار لكم من ربكم عظيم . وقد يكون البلاء في هذا الموضع نعماء ، وقد يكون معناه : من البلاء الذي قد يصيب الناس في الشدائد وغيرها .
{ وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون } أي اذكروا نعمته عليكم وقت إنجائه إياكم ، ويجوز أن ينتصب ب { عليكم } إن جعلت مستقرة غير صلة للنعمة ، وذلك إذا أريد به العطية دون الأنعام ، ويجوز أن يكون بدلا من { نعمة الله } بدل الاشتمال .
{ يسومونكم سوء العذاب ويذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم } أحوال من آل فرعون ، أو من ضمير المخاطبين والمراد بالعذاب ها هنا غير المراد به في سورة " البقرة " و " الأعراف " لأنه مفسر بالتذبيح والقتل ثمة ومعطوف عليه التذبيح ها هنا ، وهو إما جنس العذاب أو استعبادهم أو استعمالهم بالأعمال الشاقة . { وفي ذلكم } من حيث إنه بإقدار الله إياهم وإمهالهم فيه . { بلاء من ربكم عظيم } ابتلاء منه ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الإنجاء والمراد بالبلاء النعمة .
عطف على جملة { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } باعتبار غرض الجملتين ، وهو التنظير بسنن ما جاء به الرسل السابقون من إرشاد الأمم وتذكيرها ، كما أنزل القرآن لذلك .
{ وإذ } ظرف للماضي متعلّق بفعل تقديره : اذكر ، دل عليه السياق الذي هو ذكر شواهد التاريخ بأحوال الرسل عليهم السلام مع أممهم . والمعنى : واذْكر قول موسى لقومه الخ .
وهذا مما قاله موسى لقومه بعد أن أنجاهم الله من استعباد القبط وإهانتهم ، فهو من تفاصيل ما فسّر به إرسال موسى عليه السلام وهو من التذكير بأيام الله الذي أمر الله موسى عليه السلام أن يذكّره قومه .
و { إذ أنجاكم } ظرف للنعمة بمعنى الإنام ، أي الإنعام الحاصل في وقت إنجائه إياكم من آل فرعون . وقد تقدم تفسير نظيرها في قوله تعالى : { وإذ أنجيناكم من آل فرعون } في سورة البقرة ( 49 ) ، وكذا في سورة الأعراف يقتلون . سوى أن هذه الآية عُطفت فيها جملة ويذبحون } على جملة { يسومونكم } وفي آية البقرة والأعراف جعلت جملة { يذبحون } وجملة { يقتلون } بدون عطف على أنها بدل اشتمال من جملة { يسومونكم سوء العذاب } . فكان مضمون جملة { وبذبحون } هنا مقصوداً بالعدّ كأنه صنف آخر غير سوء العذاب اهتماماً بشأنه ، فعطفه من عطف الخاص على العامّ . وعلى كلا النظمين قد حصل الاهتمام بهذا العذاب المخصوص بالذكر ، فالقرآنُ حكى مراد كلام موسى عليه السلام من ذكر العذاب الأعم وذكر الأخص للاهتمام به ، وهو حاصل على كلا النظمين . وإنما حكاه القرآن في كل موضع بطريقة تفنّناً في إعادة القصة بحصول اختلاف في صورة النظم مع الحفاظ على المعنى المحكي ، وهو ذكر سوء العذاب مجملاً ، وذكر أفظع أنواعه مبيّناً .
وأما عطف جملة { ويستحيون نساءكم } في الآيات الثلاث فلأن مضمونها باستقلاله لا يصلح لبيان سوء العذاب ، لأن استحياء النساء في ذاته نعمة ولكنه يصير من العذاب عند اقترانه بتذبيح الأبناء ، إذ يُعلم أن مقصودهم من استحياء النساء استرقاقهن وإهانتهن فصار الاستحياء بذلك القصد تهيئة لتعذيبهن . ولذلك سمي جميع ذلك بلاء .
وأصل البلاء : الاختبار . والبلاء هنا المصيبة بالشرّ ، سمي باسم الاختبار لأنه اختبار لِمقدار الصبر ، فالبلاء مستعمل في شدة المكروه من تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه على طريقة المجاز المرسل . وقد شاع إطلاق هذا بصيغة اسم المصدر بحيث يكاد لا يطلق إلاّ على المكروه . وما ورد منه مستعملاً في الخير فإنما ورد بصيغة الفعل كقوله : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } [ سورة الأنبياء : 35 ] ، وقوله : { ونبلو أخباركم } [ سورة محمد : 31 ] . وتقدم في نظيرها من سورة البقرة .
وجعل هذا الضر الذي لحقهم وارداً من جانب الله لأن تخلّيه آل فرعون لفعل ذلك وعدم إلطافه ببني إسرائيل يجعله كالوارد من الله وهو جزاء على نبذ بني إسرائيل دينهم الحق الذي أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب عليهم السلام واتّبَاهِهم دين القبط وعبادة آلهتهم .
واختيار وصف الربّ هنا للإيماء إلى أنه أراد به صلاح مستقبلهم وتنبيههم لاجتناب عبادة الأوثان وتحريف الدين كقوله : { وإن عدتم عدنا } [ سورة الإسراء : 8 ] .
وهذه الآية تضمنت ما في فقرة ( 17 ) من الإصحاح } ( 12 ) . وفقرة ( 3 ) من « الإصحاح » ( 13 ) من « سفر الخروج » . وما في فقرة ( 13 ) من الإصحاح ( 26 ) من « سفر اللاّويين » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.