معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (59)

قوله تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } ، مفاتح الغيب خزائنه ، جمع مفتح . واختلفوا في مفاتح الغيب .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنا أبو الحسن الطيسفوني ، أنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أنا أحمد بن علي الكشميهني ، أنا علي بن حجر ، أنا إسماعيل بن جعفر ، أنا عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله ، لا يعلم ما تغيض الأرحام أحد إلا الله تعالى ، ولا يعلم ما في الغد إلا الله عز وجل ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة أحد إلا الله ) .

وقال الضحاك ومقاتل : مفاتح الغيب خزائن الأرض ، وعلم نزول العذاب . وقال عطاء : ما غاب عنكم من الثواب والعقاب ، وقيل : انقضاء الآجال ، وقيل : أحوال العباد من السعادة ، والشقاوة ، وخواتيم أعمالهم ، وقيل : هي ما لم يكن بعد أنه يكون أم لا يكون ، وما يكون كيف يكون ، ومالا يكون أن لو كان كيف يكون ؟ وقال ابن مسعود : أوتي نبيكم علم كل شيء إلا علم مفاتيح الغيب .

قوله تعالى : { ويعلم ما في البر والبحر } ، قال مجاهد : البر : المفاوز والقفار ، والبحر : القرى والأمصار ، لا يحدث فيهما بشيء إلا يعلمه ، وقيل : هو البر والبحر المعروف . قوله تعالى : { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } ، يريد ساقطة وثابتة ، يعني : يعلم عدد ما يسقط من ورق الشجر وما يبقى عليه ، وقيل : يعلم كم انقلبت ظهراً لبطن إلى أن سقطت على الأرض .

قوله تعالى : { ولا حبة في ظلمات الأرض } ، قيل : هو الحب المعروف في بطون الأرض ، وقيل : هو تحت الصخرة في أسفل الأرضين .

قوله تعالى : { ولا رطب ولا يابس } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : الرطب الماء ، واليابس البادية ، وقال عطاء : يريد ما ينبت وما لا ينبت ، وقيل : ولا حي ولا موات ، وقيل : هو عبارة عن كل شيء .

قوله تعالى : { إلا في كتاب مبين } ، يعني أن الكل مكتوب في اللوح المحفوظ .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (59)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ } . .

يقول : وَعِنْدَهُ مَقاتِحُ الغَيْبِ والمفاتح : جمع مِفْتَح ، يقال فيه : مِفْتَح ومِفْتَاح ، فمن قال مِفْتَح جمعه مَفَاتح ، ومن قال مِفْتاح جمعه مَفَاتِيح .

ويعني بقوله : وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ خزائن الغيب ، كالذي :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ قال : يقول : خزائن الغيب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن مسعر ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن ابن مسعود ، قال : أعطي نبيكم كلّ شيء إلاّ مفاتح الغيب .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : وَعِنْدَهُ مفاتِخُ الغَيْبِ قال : هنّ خمس : إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزّلُ الغَيْثَ . . . إلى : إنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ .

فتأويل الكلام إذن : والله أعلم بالظّالمين من خلقه وما هم مستحقوه وما هو بهم صانع ، فإن عنده علم ما غاب علمه عن خلقه ، فلم يطلعوا عليه ولم يدركوه ولم يعلموه ولن يدركوه . ويَعْلَمُ ما في البَرّ والبَحْرِ يقول : وعنده علم ما لم يغب أيضا عنكم ، لأن ما في البرّ والبحر مما هو ظاهر للعين يعلمه العباد . فكان معنى الكلام : وعند الله علم ما غاب عنكم أيها الناس مما لا تعلمونه ولن تعلموه مما استأثر بعلمه نفسه ، ويعلم أيضا مع ذلك جميع ما يعلمه جميعكم ، لا يخفى عليه شيء ، لأنه لا شيء إلا ما يخفى عن الناس أو ما لا يخفى عليهم . فأخبر الله تعالى أن عنده علم كل شيء كان ويكون وما هو كائن مما لم يكن بعد ، وذلك هو الغيب .

القول في تأويل قوله تعالى : وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاّ يَعْلمُها وَلا حَبّةٍ فِي ظُلُماتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ .

يقول تعالى ذكره : ولا تسقط ورقة في الصحاري والبراري ولا في الأمصار والقرى إلا الله يعلمها . وَلا حَبّةٍ فِي ظُلُماتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إلاّ فِي كِتابِ مُبِينٍ يقول : ولا شيء أيضا مما هو موجود أو مما سيوجد ولم يوجد بعد ، إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ ، مكتوب ذلك فيه ومرسوم عدده ومبلغه والوقت الذي يوجد فيه والحال التي يفني فيها . ويعني بقولين مُبِين : أنه يبين عن صحة ما هو فيه بوجود ما رسم فيه على ما رسم .

فإن قال قائل : وما وجه إثباته في اللوح المحفوظ والكتاب المبين ما لا يخفى عليه ، وهو بجميعه عالم لا يخاف نسيانه ؟ قيل له : لله تعالى فعل ما شاء ، وجائز أن يكون كان ذلك منه امتحانا منه لحفظته واختبارا للمتوكلين بكتابة أعمالهم ، فإنهم فيما ذكر مأمورون بكتابة أعمال العباد ثم بعرضها على ما أثبته الله من ذلك في اللوح المحفوظ ، حتى أثبت فيه ما أثبت كل يوم وقيل : إن ذلك معنى قوله : إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وجائز أن يكون ذلك لغير ذلك مما هو أعلم به ، إما بحجة يحتجّ بها على بعض ملائكته وأما على بني آدم وغير ذلك . وقد :

حدثني زياد بن يحيى الحساني أبو الخطاب ، قال : حدثنا مالك بن سعير ، قال : حدثنا الأعمش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحرث ، قال : ما في الأرض من شجرة ولا كمغرز إبرة ، إلا عليها ملك موكل بها يأتي الله ، يعلمه يبسها إذا يبست ورطوبتها إذا رطبت .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (59)

{ وعنده مفاتح الغيب } خزائنه جمع مفتح بفتح الميم ، وهو المخزن أو ما يتوصل به إلى المغيبات مستعار من المفاتح الذي هو جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح ، ويؤيده أنه قرئ " مفاتيح " والمعنى أنه المتوصل إلى المغيبات المحيط علمه بها . { لا يعلمها إلا هو } فيعلم أوقاتها وما في تعجيلها وتأخيرها من الحكم فيظهرها على ما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته ، وفيه دليل على أنه سبحانه وتعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها . { ويعلم ما في البر والبحر } عطف للأخبار عن تعلق علمه تعالى بالمشاهدات على الإخبار عن اختصاص العلم بالمغيبات به . { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيات . { ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس } معطوفات على ورقة وقوله : { إلا في كتاب مبين } بدل من الاستثناء الأول بدل الكل على أن الكتاب المبين علم الله سبحانه وتعالى ، أو بدل الاشتمال إن أريد به اللوح وقرئت بالرفع للعطف على محل ورقة أو رفعا على الابتداء والخبر { إلا في كتاب مبين } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (59)

{ مفاتح } جمع مفتح{[4941]} وهذه استعارة عبارة عن التوصل إلى الغيوب كما يتوصل في الشاهد بالمفتاح إلى المغيب عن الإنسان ولو كان جمع مفتاح لقال مفاتيح ، ويظهر أيضاً أن { مفاتح } جمع مفتح بفتح الميم أي مواضع تفتح عن المغيبات ، ويؤيد هذا قول السدي وغيره { مفاتح الغيب } خزائن الغيب ، فأما مِفتح بالكسر فهو بمعنى مفتاح ، وقال الزهراوي : ومَفتح أفصح ، وقال ابن عباس وغيره ، الإشارة ب { مفاتح الغيب } هي إلى الخمسة التي في آخر لقمان ، { إن الله عنده علم الساعة } [ لقمان : 34 ] الآية ، لأنها تعم جميع الأشياء التي لم توجد بعد{[4942]} ، ثم قوي البيان بقوله { ويعلم ما في البر والبحر } تنبيهاً على أعظم المخلوقات المجاورة للبشر وقوله { من ورقة } على حقيقته في ورق النباتات ، و { من } زائدة و { إلا يعلمها } يريد على الإطلاق وقبل السقوط ومعه وبعده ، { ولا حبة في ظلمات الأرض } يريد في أشد حال التغيب ، وهذا كله وإن كان داخلاً في قوله { وعنده مفاتح الغيب } عند من رآها في الخمس وغيرها ففيه البيان والإيضاح والتنبيه على مواضع العبر ، أي إذا كانت هذه المحقورات معلومة فغيرها من الجلائل أحرى ، { ولا رطب ولا يابس } عطف على اللفظ وقرأ الحسن وعبد الله بن أبي إسحاق «ولا رطبٌ ولا يابسٌ » بالرفع عطفاً على الموضع في { ورقة } ، لأن التقدير وما تسقط ورقة ، و { إلا في كتاب مبين } قيل يعني كتاباً على الحقيقة ، ووجه الفائدة فيه امتحان ما يكتبه الحفظة ، وذلك أنه روي أن الحفظة يرفعون ما كتبوه ويعارضونه بهذا الكتاب المشار إليه ليتحققوا صحة ما كتبوه ، وقيل : المراد بقوله : { إلا في كتاب } علم الله عز وجل المحيط بكل شيء ، وحكى النقاش عن جعفر بن محمد قولاً : أن «الورقة » يراد بها السقط من أولاد بني آدم ، و «الحبة » يراد بها الذي ليس بسقط ، و «الرطب » يراد به الحي ، و «اليابس » يراد به الميت ، وهذا قول جار على طريقة الرموز ، ولا يصح عن جعفر بن محمد رضي الله عنه ، ولا ينبغي أن يلتفت إليه .


[4941]:- المفتح بكسر الميم، والمفتاح: مفتاح الباب، وكل ما فتح به الشيء، قال سيبويه: هذا الضرب مما يعتمل مكسور الأول، كانت فيه الهاء أو لم تكن، والجمع: مفاتيح ومفاتح أيضا. قال الأخفش: هو مثل أماني وأماني، يخفف ويشدد (اللسان)- مادة فتح- قارن هذا بما ذكره ابن عطية. وقال أبو حيان في "البحر": المفاتح: جمع مفتح بكسر الميم وهي الآلة التي يفتح بها ما أغلق، ثم نقل عن الزهري قوله: و"مفتح أفصح من مفتاح" وهذا يؤكد كلام ابن عطية.
[4942]:- روى البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله). وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: (من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} اهـ وفي التنزيل العزيز: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء}.